أحيانا كنت أحب أن أرسم الوجوه الجميلة التي ألتقي بها ...
ولكني وفي هذه المرة استغرب أن أحاول الكتابة عن الوجه الجديد والمحبب بشكل ما..
ويبدو أن السبب في ذلك يعود لأن هذا الوجه الجميل غير كاف للتعبير عن الأثر الذي تتركه صاحبة هذا الوجه في داخل الأشخاص الذين يلتقون بها ...
أو ربما لأنني لم أهتم منذ البداية لصاحبة هذا الوجه الجميل ولكن مع هذا فإن جمالها هو المفتاح إلى قلوب الآخرين قبل أي شيء أخر (كما هي العادة) ...
ويبدو لي أن هذه العادة هي في الوقت نفسه مفتاح لهذه الشخصية ، فقد اكتسبت صفة دفاعية ضد الأشخاص الذين اعتادوا ذلك!! وبما أنها صفة مكتسبة فهي ليست من طبيعتها وللمفارقة فهي صفة مخالفة لطبيعتها ، مما جعل بعض التناقض ظاهراً في تصرفاتها ،تحاول أن تخفيه جاهدة بواسطة الحدة في هذه التصرفات (جفاصة كما تسميه هي).
ولا أدري إن كان الرسم يستطيع أن يعبر بألوانه عن كل هذا و ربما يتحقق ذلك بوجود رسام مبدع و لا أظن أني ذلك الرسام.
و لربما لو حاولت رسم تلك اللوحة فسيكون اللون الأزرق هو اللون الطاغي على جميع الألوان و لا أدري لماذا أرتبط هذا اللون الأزرق بشخصيتها في ذاكرتي ،فاللون الأزرق السماوي يلون خلايا ذاكرتي مع ذكرها.
يمكن للرسام أن يقوم برسم لوحته على مدى أشهر طويلة ،يرسم متى شاء ويتوقف عن الرسم متى أحب ،ولكني أشك بإمكانية الكتابة على فترات طويلة فالأفكار سرعان ما تتغير أو تتلاشى ولا يمكن الحفاظ على أية فكرة إن لم يتم كتابتها دفعة واحدة ...
هذا ما أشعر به الآن عند محاولة الكتابة بعد فترة انقطاع دامت عشرة ساعات فصلتني عن الأسطر السابقة ، وخلال هذه الساعات مررت بالكثير من الأحداث والأفعال وأمتلآت ذاكرتي بالأشياء التي حدثت معي وأظن أن ما أردت قوله في ذلك الوقت قد نسيته تماماً ، ولكني أحس بإمكانية استرجاع الانطباع السابق وربما أستطيع الآن أن أعبر عنه بفكرة جديدة قد تكون مختلفة ولكنها بالتأكيد ناتجة عن انطباع تلك الفتاة الرائعة بحق...
أشعر بارتياح كبير لأناس يجعلوني أشعر بالسعادة وأدعوهم أناس رائعون...
فهي فتاة تحب المرح وهي تسعى إليه وتمتلك غالباً الحيوية و الطاقة لإيجاد المرح بأية وسيلة وفي أية ظروف ...
ورغم كل الظروف التي تحيط بها تقول أن الحياة جميلة لذلك فهي بحق فتاة مرحة... ولكن مرحها هذا قد يكون أحياناً على حساب الآخرين إن اقتضى الأمر ، وهي تشعر بضرورة ذلك أحياناً ( ويبدو أنها طريقة دفاعية أخرى تدعوها "تلطيش") وهو أمر مقبول من وجهة نظري ... ولكني لا أزال في حيرة من أمري فهل يوّلد هذا المرح كله السعادة لديها أم هي تكتفي بأنها تمرح فقط و لايهمها غير ذلك ؟؟؟
يبدو أنني انسقت مع أفكاري وهذه هي واحدة من مساوئ الكتابة ، فالكتابة تجعل الأفكار تنساب مع انسياب القلم فوق الورقة .. ولكن الرسم هو مجرد صورة لانطباع راسخ أو إحساس ما دون أفكار و دون ارتباط بأحداث و أزمان معينة .... و لكني اخترت أن أكتب و بالتالي لا بد من التفكير ، و سأحاول أن أدع لانطباعاتي التأثير الأكبر على هذه الكلمات ...
ولكني وبشكل ما أحاول أن أهرب من الانطباع الذي يملئ داخلي عند ذكر هذه الفتاة ،فأول انطباع أحمله تجاهها هو أنها فتاة مزعجة بشكل ما و لكنه انطباع غامض لا أعرف له سبباً وأكثر ما فيه غموضاً أنه يتلاشى عندما أراها و حالما تواجهني ابتسامتها وأشعر بالذنب لما أحمله من انطباع ربما كان خاطئاً ..... وكثيراً ما كنت أحاول أن أعبر عن أسفي تجاه ذلك ... و لكن هذا الانطباع يشبه كثيراً ما نحمله من ضيق تجاه تصرفات طفل صغير و مدلل و شقي ولكننا نقبل به لأنه طفل صغير و بريء .....
كثيرة هي المشاعر المتناقضة التي تولدها بداخل أي شخص يعرفها و كل من هؤلاء يتصرف بشكل مختلف حسب إدراكه لطبيعتها وأهدافه التي يرسمها و أظنها من الذكاء فتدرك أبعاد الأمور بسرعة و يمكن لها أن تتصرف بثقة و قوة تعيد الأمور إلى نصابها بأية طريقة كانت و أحياناً دون النظر إلى النتائج...
إنها (رغم كل شي) فتاة جيدة و سيكون ذلك في بقية الحديث ....
عادة ما يتمتع الرسامون بخيال واسع ، ولا أدري لم أحمل أنا هذه الصفة فغالباً ما تتحول الكلمات التي أسمعها إلى صور في مخيلتي و كثيراً ما أبحث عن شبيه لخيالاتي في الواقع ...
كانت كثيراً ما تتحدث عن أبيها و كنت قد رسمت صورة هذا الأب في مخيلتي بما يتناسب مع ما تتحدث به عنه ، وكثيراً ما روت عن طباعه وشخصيته وكذلك قالت أشياء أخرى مثل كم يبلغ عمره و ذكرت مرة أن له بشرة سمراء اللون و قامة طويلة ومن كل هذه الصفات حاولت أن أتخيل له صورة وفي كل مرة تذكره فيها ، و لكني لم أهتد أبداً إلى صورة مقنعة ومناسبة لهذه الشخصية، و عندما قابلته للمرة الأولى حاولت بشكل سريع أن أطابق بينه و بين تلك الصور التي رسمتها له في مخيلتي ، لكنها كانت مختلفة بشكل أو بأخر .... فلم يتبادر لذهني أبداً أن يكون طوله مترافقاً بكرش غير متناسب مع هذا الطول و خاصة أن بنيته نحيفة نوعاً ما... أما تلك القبعة التي يضعها على رأسه فرغم معرفتي بأنه يخفي رأسه التي بدأت تخلو من الشعر بقبعة سوداء اللون و لكني لم استطع أن أتخيل كيف ستكون تلك القبعة على رأسه....
أما بشرته السمراء فهي أكثر ما أدهشني و يبدو كأنه عاش طوال حياته تحت أشعة الشمس مع أن هذا غير صحيح فهو متقاعد منذ زمن وفي عمله لم يكن يتعرض للشمس( كما علمت منها).
ولكن أغرب ما في الأمر أن شكله لا يناسب عمره و هو يبدو أصغر من عمره الحقيقي .... وبدا هذا واضحاً بالنسبة لزوجته التي كانت تقف معه و التي يبدو أنها امرأة كبير السن تشبه بشعرها الأبيض الجدات في قصص الأطفال... و لكنها أثارت استغرابي بوقوفها إلى الخلف منه و على بعد عدة خطوات!! فإذا كان هذا هو وضعها بالنسبة له كزوجة فأين هي منها كأم .....
الأم ..هذه الكلمة التي تثير بداخلي غموض كبير .....
فبقدر ما حاول الرسامون رسم الأم بين ألوان لوحاتهم أرى اللوحات كأم تضم الألوان بين جناحيها .... وأظنهم لا يرسمون الأم بين تفاصيل لوحاتهم و لكنهم يرسمون التفاصيل لتشكل أماً ...
ولا أدري أين هي الأم عند هذه الفتاة فكل ما أعرفه أنها كانت زميلتها في العمل وهذا ما كان يعطيها أماناً و قوة في عملها ، وما أشد الفراغ الذي سببه ترك الأم لعملها بسبب كبر سنها ومرضها !!! ورغم اعترافها بذلك فهي كما يبدو لي كانت دوماً تحاول الوقوف موقف الند من هذه الأم.....
الأم التي أنجبتها مع توأم لها كان الابن الوحيد للعائلة مع وجود أختهما الكبرى ولأن لديهم عادات اجتماعية لم أفهمها أعطت الأم أبنتها لأختها وأبقت وحيدها ليربى في حضنها .... فكانت لها أماً ثانية هي خالتها ... وربما يكون طبيعياً أن يربى الطفل عند أخواله وبعيداً عن حضن أمه و لكن في حالة وجود توأم ،يربى أحدهما عند أمه و أما الأخر فيفقدها ... فأظن ذلك قد جعلها تصنع من خالتها أماً بديلة لها وتركت أمها أماً لأخيها و لكنها كانت فتاة ذكية فلم تتخلى عن أبيها و حولت علاقة الأبوة إلى علاقة صداقة لتكون ومنذ البداية نداً قوياً لأمها ... و كل هذا جعل منها فتاة عنيدة (سماوية) لا ترضخ بسهولة , لكن الأم و بكل ما في أمومتها من ذكاء فطري للتعامل مع الأبناء تستطيع مع الزمن أن تخضع أبنتها للقيم ومتطلبات البيئة الاجتماعية وأظنها استطاعت أن تحول عناد أبنتها إلى خدمة هذه المتطلبات الاجتماعية ... وأظن أن هذه الظروف جعلت منها فتاة محظوظة لأن خالتها كانت أماً رائعة وهذا ما لاحظته من خلال كلامها معها أو حديثها عنها .. و قد تركت داخلها جزءاً كبيراً من تلك الروعة تحمله معها دوماً. وأعلم أنها تعيد لها صنيعها ذلك الآن ....
كل هذه الأشياء جعلتني لا أفهم في البداية كيف لشخص يملك طباعاً هادئة مثلي أن يتعامل مع فتاة مثلها ، كثيراً ما كان يثيرها طباعي .. و لكني أكتشف فيما بعد أننا لحسن الحظ تقاسمنا نوعاً من التعاطف اٌستهزائي و هو شيء يشبه المودة إلى حد بعيد وقد ساعدنا ذلك في تحمل كل منا للأخر .....
كل هذا كنت قد توصلت إليه بنفسي أو استنتجته استنتاجاً لكن هناك جزء مهم جداً لا بد لي من الحصول عليه أنه الجزء الذي يجب أن تحكيه هي عن نفسها ، فهي لا تتحدث عن نفسها أبداً و دائماً تقول ليس هناك من شيء مهم ، و لكني أود أن أسمع منها هذا الجزء الخاص الذي يخفيه كل شخص بداخله ولا يقوله إلا في لحظات خاصة جداً و لكني لا أعرف كيف سأصل إلى ذلك الجزء و فيما إذا كنت أستطيع الوصول إلى تلك اللحظات في حياتها وأظن هذا أمراً صعباً (شبه مستحيل) و غير ذلك لن يكون لدي ما أزيده على كل ما توصلت إليه....
وبعد صمت طويل يكون انفجار البراكين هذا ما علمتنا إياه الطبيعة ...
الطبيعة التي استطعنا مع الزمن فهم آليات عملها و تعلمنا كيفية السيطرة على الكثير من هذه الآليات وتقبلنا ما لم نستطع عليه أو فهمه...
لكننا لم نزل عاجزين عن فهم هذه النفس البشرية وآلية عملها ... فنحن نفهم انفجار البراكين ولا نستغرب صوته الهائل ولا حممه البركانية المنبعثة وندرك كيف تعبر الطبيعة بكل هذا عن نفسها ...
ولكني أستغرب هذه الإنسانة التي انفجرت أخيراً و لكنها كانت تحاول أن تكتم صوت الانفجار و تحاول ألا تقذف الحمم و هي تحاول أن تكتم الانفجار ذاته .... من أين للإنسان بهذه المقدرة التي لا تملكها الطبيعة نفسها ....
ما أروعك أيتها الطبيعة بكل ما فيك ... ولأشد ما أشعر بتعاسة هذا الإنسان الذي لم يتعلم منك الدروس الكثيرة ....
قلت لها انفجري كما يشاء الانفجار و لا تكتمي صوتك، لا تدع التمرد بداخلك يستسلم ،دع كل شيء لطبيعة الأشياء ، ولكن عبثاً حاولت فكل ما حصلت عليه منها أنه ليس هناك فائدة من كل هذا ....
وما الذي يفيد إذا ،إني لأدرك طبيعة الأشياء كالحجر مثلاً و أتقبلها كما هي ، أو عندما يتفتت الحجر رملاً ...
لكني أرفض أن أتقبل أي إدراك لطبيعة الإنسان حين لا تعود جزءاً من طبيعة الأشياء....
ولكني وفي هذه المرة استغرب أن أحاول الكتابة عن الوجه الجديد والمحبب بشكل ما..
ويبدو أن السبب في ذلك يعود لأن هذا الوجه الجميل غير كاف للتعبير عن الأثر الذي تتركه صاحبة هذا الوجه في داخل الأشخاص الذين يلتقون بها ...
أو ربما لأنني لم أهتم منذ البداية لصاحبة هذا الوجه الجميل ولكن مع هذا فإن جمالها هو المفتاح إلى قلوب الآخرين قبل أي شيء أخر (كما هي العادة) ...
ويبدو لي أن هذه العادة هي في الوقت نفسه مفتاح لهذه الشخصية ، فقد اكتسبت صفة دفاعية ضد الأشخاص الذين اعتادوا ذلك!! وبما أنها صفة مكتسبة فهي ليست من طبيعتها وللمفارقة فهي صفة مخالفة لطبيعتها ، مما جعل بعض التناقض ظاهراً في تصرفاتها ،تحاول أن تخفيه جاهدة بواسطة الحدة في هذه التصرفات (جفاصة كما تسميه هي).
ولا أدري إن كان الرسم يستطيع أن يعبر بألوانه عن كل هذا و ربما يتحقق ذلك بوجود رسام مبدع و لا أظن أني ذلك الرسام.
و لربما لو حاولت رسم تلك اللوحة فسيكون اللون الأزرق هو اللون الطاغي على جميع الألوان و لا أدري لماذا أرتبط هذا اللون الأزرق بشخصيتها في ذاكرتي ،فاللون الأزرق السماوي يلون خلايا ذاكرتي مع ذكرها.
يمكن للرسام أن يقوم برسم لوحته على مدى أشهر طويلة ،يرسم متى شاء ويتوقف عن الرسم متى أحب ،ولكني أشك بإمكانية الكتابة على فترات طويلة فالأفكار سرعان ما تتغير أو تتلاشى ولا يمكن الحفاظ على أية فكرة إن لم يتم كتابتها دفعة واحدة ...
هذا ما أشعر به الآن عند محاولة الكتابة بعد فترة انقطاع دامت عشرة ساعات فصلتني عن الأسطر السابقة ، وخلال هذه الساعات مررت بالكثير من الأحداث والأفعال وأمتلآت ذاكرتي بالأشياء التي حدثت معي وأظن أن ما أردت قوله في ذلك الوقت قد نسيته تماماً ، ولكني أحس بإمكانية استرجاع الانطباع السابق وربما أستطيع الآن أن أعبر عنه بفكرة جديدة قد تكون مختلفة ولكنها بالتأكيد ناتجة عن انطباع تلك الفتاة الرائعة بحق...
أشعر بارتياح كبير لأناس يجعلوني أشعر بالسعادة وأدعوهم أناس رائعون...
فهي فتاة تحب المرح وهي تسعى إليه وتمتلك غالباً الحيوية و الطاقة لإيجاد المرح بأية وسيلة وفي أية ظروف ...
ورغم كل الظروف التي تحيط بها تقول أن الحياة جميلة لذلك فهي بحق فتاة مرحة... ولكن مرحها هذا قد يكون أحياناً على حساب الآخرين إن اقتضى الأمر ، وهي تشعر بضرورة ذلك أحياناً ( ويبدو أنها طريقة دفاعية أخرى تدعوها "تلطيش") وهو أمر مقبول من وجهة نظري ... ولكني لا أزال في حيرة من أمري فهل يوّلد هذا المرح كله السعادة لديها أم هي تكتفي بأنها تمرح فقط و لايهمها غير ذلك ؟؟؟
يبدو أنني انسقت مع أفكاري وهذه هي واحدة من مساوئ الكتابة ، فالكتابة تجعل الأفكار تنساب مع انسياب القلم فوق الورقة .. ولكن الرسم هو مجرد صورة لانطباع راسخ أو إحساس ما دون أفكار و دون ارتباط بأحداث و أزمان معينة .... و لكني اخترت أن أكتب و بالتالي لا بد من التفكير ، و سأحاول أن أدع لانطباعاتي التأثير الأكبر على هذه الكلمات ...
ولكني وبشكل ما أحاول أن أهرب من الانطباع الذي يملئ داخلي عند ذكر هذه الفتاة ،فأول انطباع أحمله تجاهها هو أنها فتاة مزعجة بشكل ما و لكنه انطباع غامض لا أعرف له سبباً وأكثر ما فيه غموضاً أنه يتلاشى عندما أراها و حالما تواجهني ابتسامتها وأشعر بالذنب لما أحمله من انطباع ربما كان خاطئاً ..... وكثيراً ما كنت أحاول أن أعبر عن أسفي تجاه ذلك ... و لكن هذا الانطباع يشبه كثيراً ما نحمله من ضيق تجاه تصرفات طفل صغير و مدلل و شقي ولكننا نقبل به لأنه طفل صغير و بريء .....
كثيرة هي المشاعر المتناقضة التي تولدها بداخل أي شخص يعرفها و كل من هؤلاء يتصرف بشكل مختلف حسب إدراكه لطبيعتها وأهدافه التي يرسمها و أظنها من الذكاء فتدرك أبعاد الأمور بسرعة و يمكن لها أن تتصرف بثقة و قوة تعيد الأمور إلى نصابها بأية طريقة كانت و أحياناً دون النظر إلى النتائج...
إنها (رغم كل شي) فتاة جيدة و سيكون ذلك في بقية الحديث ....
عادة ما يتمتع الرسامون بخيال واسع ، ولا أدري لم أحمل أنا هذه الصفة فغالباً ما تتحول الكلمات التي أسمعها إلى صور في مخيلتي و كثيراً ما أبحث عن شبيه لخيالاتي في الواقع ...
كانت كثيراً ما تتحدث عن أبيها و كنت قد رسمت صورة هذا الأب في مخيلتي بما يتناسب مع ما تتحدث به عنه ، وكثيراً ما روت عن طباعه وشخصيته وكذلك قالت أشياء أخرى مثل كم يبلغ عمره و ذكرت مرة أن له بشرة سمراء اللون و قامة طويلة ومن كل هذه الصفات حاولت أن أتخيل له صورة وفي كل مرة تذكره فيها ، و لكني لم أهتد أبداً إلى صورة مقنعة ومناسبة لهذه الشخصية، و عندما قابلته للمرة الأولى حاولت بشكل سريع أن أطابق بينه و بين تلك الصور التي رسمتها له في مخيلتي ، لكنها كانت مختلفة بشكل أو بأخر .... فلم يتبادر لذهني أبداً أن يكون طوله مترافقاً بكرش غير متناسب مع هذا الطول و خاصة أن بنيته نحيفة نوعاً ما... أما تلك القبعة التي يضعها على رأسه فرغم معرفتي بأنه يخفي رأسه التي بدأت تخلو من الشعر بقبعة سوداء اللون و لكني لم استطع أن أتخيل كيف ستكون تلك القبعة على رأسه....
أما بشرته السمراء فهي أكثر ما أدهشني و يبدو كأنه عاش طوال حياته تحت أشعة الشمس مع أن هذا غير صحيح فهو متقاعد منذ زمن وفي عمله لم يكن يتعرض للشمس( كما علمت منها).
ولكن أغرب ما في الأمر أن شكله لا يناسب عمره و هو يبدو أصغر من عمره الحقيقي .... وبدا هذا واضحاً بالنسبة لزوجته التي كانت تقف معه و التي يبدو أنها امرأة كبير السن تشبه بشعرها الأبيض الجدات في قصص الأطفال... و لكنها أثارت استغرابي بوقوفها إلى الخلف منه و على بعد عدة خطوات!! فإذا كان هذا هو وضعها بالنسبة له كزوجة فأين هي منها كأم .....
الأم ..هذه الكلمة التي تثير بداخلي غموض كبير .....
فبقدر ما حاول الرسامون رسم الأم بين ألوان لوحاتهم أرى اللوحات كأم تضم الألوان بين جناحيها .... وأظنهم لا يرسمون الأم بين تفاصيل لوحاتهم و لكنهم يرسمون التفاصيل لتشكل أماً ...
ولا أدري أين هي الأم عند هذه الفتاة فكل ما أعرفه أنها كانت زميلتها في العمل وهذا ما كان يعطيها أماناً و قوة في عملها ، وما أشد الفراغ الذي سببه ترك الأم لعملها بسبب كبر سنها ومرضها !!! ورغم اعترافها بذلك فهي كما يبدو لي كانت دوماً تحاول الوقوف موقف الند من هذه الأم.....
الأم التي أنجبتها مع توأم لها كان الابن الوحيد للعائلة مع وجود أختهما الكبرى ولأن لديهم عادات اجتماعية لم أفهمها أعطت الأم أبنتها لأختها وأبقت وحيدها ليربى في حضنها .... فكانت لها أماً ثانية هي خالتها ... وربما يكون طبيعياً أن يربى الطفل عند أخواله وبعيداً عن حضن أمه و لكن في حالة وجود توأم ،يربى أحدهما عند أمه و أما الأخر فيفقدها ... فأظن ذلك قد جعلها تصنع من خالتها أماً بديلة لها وتركت أمها أماً لأخيها و لكنها كانت فتاة ذكية فلم تتخلى عن أبيها و حولت علاقة الأبوة إلى علاقة صداقة لتكون ومنذ البداية نداً قوياً لأمها ... و كل هذا جعل منها فتاة عنيدة (سماوية) لا ترضخ بسهولة , لكن الأم و بكل ما في أمومتها من ذكاء فطري للتعامل مع الأبناء تستطيع مع الزمن أن تخضع أبنتها للقيم ومتطلبات البيئة الاجتماعية وأظنها استطاعت أن تحول عناد أبنتها إلى خدمة هذه المتطلبات الاجتماعية ... وأظن أن هذه الظروف جعلت منها فتاة محظوظة لأن خالتها كانت أماً رائعة وهذا ما لاحظته من خلال كلامها معها أو حديثها عنها .. و قد تركت داخلها جزءاً كبيراً من تلك الروعة تحمله معها دوماً. وأعلم أنها تعيد لها صنيعها ذلك الآن ....
كل هذه الأشياء جعلتني لا أفهم في البداية كيف لشخص يملك طباعاً هادئة مثلي أن يتعامل مع فتاة مثلها ، كثيراً ما كان يثيرها طباعي .. و لكني أكتشف فيما بعد أننا لحسن الحظ تقاسمنا نوعاً من التعاطف اٌستهزائي و هو شيء يشبه المودة إلى حد بعيد وقد ساعدنا ذلك في تحمل كل منا للأخر .....
كل هذا كنت قد توصلت إليه بنفسي أو استنتجته استنتاجاً لكن هناك جزء مهم جداً لا بد لي من الحصول عليه أنه الجزء الذي يجب أن تحكيه هي عن نفسها ، فهي لا تتحدث عن نفسها أبداً و دائماً تقول ليس هناك من شيء مهم ، و لكني أود أن أسمع منها هذا الجزء الخاص الذي يخفيه كل شخص بداخله ولا يقوله إلا في لحظات خاصة جداً و لكني لا أعرف كيف سأصل إلى ذلك الجزء و فيما إذا كنت أستطيع الوصول إلى تلك اللحظات في حياتها وأظن هذا أمراً صعباً (شبه مستحيل) و غير ذلك لن يكون لدي ما أزيده على كل ما توصلت إليه....
وبعد صمت طويل يكون انفجار البراكين هذا ما علمتنا إياه الطبيعة ...
الطبيعة التي استطعنا مع الزمن فهم آليات عملها و تعلمنا كيفية السيطرة على الكثير من هذه الآليات وتقبلنا ما لم نستطع عليه أو فهمه...
لكننا لم نزل عاجزين عن فهم هذه النفس البشرية وآلية عملها ... فنحن نفهم انفجار البراكين ولا نستغرب صوته الهائل ولا حممه البركانية المنبعثة وندرك كيف تعبر الطبيعة بكل هذا عن نفسها ...
ولكني أستغرب هذه الإنسانة التي انفجرت أخيراً و لكنها كانت تحاول أن تكتم صوت الانفجار و تحاول ألا تقذف الحمم و هي تحاول أن تكتم الانفجار ذاته .... من أين للإنسان بهذه المقدرة التي لا تملكها الطبيعة نفسها ....
ما أروعك أيتها الطبيعة بكل ما فيك ... ولأشد ما أشعر بتعاسة هذا الإنسان الذي لم يتعلم منك الدروس الكثيرة ....
قلت لها انفجري كما يشاء الانفجار و لا تكتمي صوتك، لا تدع التمرد بداخلك يستسلم ،دع كل شيء لطبيعة الأشياء ، ولكن عبثاً حاولت فكل ما حصلت عليه منها أنه ليس هناك فائدة من كل هذا ....
وما الذي يفيد إذا ،إني لأدرك طبيعة الأشياء كالحجر مثلاً و أتقبلها كما هي ، أو عندما يتفتت الحجر رملاً ...
لكني أرفض أن أتقبل أي إدراك لطبيعة الإنسان حين لا تعود جزءاً من طبيعة الأشياء....
No comments:
Post a Comment