لم استطع ان أنام البارحة قبل ان أنهي قراءة الجزء الثاني من رواية امين معلوف "بدايات" ذلك الجزء المعنون بإسم استنارات،
عن اية استنارات تحدث الكاتب في هذا الجزء الذي تجري اجزائه في بدايات القرن الماضي، بداية الحركات التنويرية و التحريرية في الشرق، لا أرغب بالحديث عن تلك التفاصيل لكن اريد أن أسجل بعض ما استطاع الكاتب ان يقوله من خلال سرده لتلك الفترة،
حيث يؤكد امين معلوف ان الحركات التنويرية و التجديدية لا يمكن ان تأتي عن طريق الأنغلاق والأنكفاء ، بل على العكس، فإن تجاوز الانتماءات الضيقة هو النهج الاسمى والأسخى للخروج من الطريق المسدود، وكان لابد من سلوك هذا النهج الذي سمح بتشكيل ذلك الجيل الذي قاد الحركة التنويرية في الشرق.
"إن ما أنقذ روح الساباتيين(1) ، بنظري على الأقل، هو بالدرجة الأولى الذهنية التي وروثوها عن مؤسسهم، فقد تعرض ساباتاي للسخرية والتهكم لأنه فضل حياته على إيمانه، و بعد التفكير بالأمر ملياً وبهدوء، ليس بوسعنا أن ندين موقفه إدانة تامة: فهدف العقائد خدمة الأنسان، وليس العكس، وبالطبع، ليس بوسعنا سوى احترام الذين يضحون بحياتهم لبلوغ مثال أعلى، إلا انه لا بد من الأعتراف كذلك بأن الكثيرين ضحو بحياتهم على مر التاريخ لأسباب خاطئة، فطوبى لمن اختار الحياة! وطوبى لغريزة ساباتاي البشرية!"
و هو يختصر بشكل بليغ و دقيق لنا كيف انه كثيرا ما أعتبرت القومية هي الشكل المتشدد للوطنية، و لكن هذا لم يكن واقعيا في تلك الفترة و لن يكون في أي وقت اخر، إذ كانت القومية بالتحديد هي نقيض الوطنية... وإن الشرق البائس القائم اليوم هو وليد الأحلام المشتركة للقوميين و الوطنيين الذين نشأوا في تلك الفترة..
ويصل امين معلوف إلى قمة البحث عندما يصور الحالة التي نشأت عن ظهور الحركات التنويرية وفشلها في معالجة موضوع الأقليات في الشرق:
"فجوهر الأمور ليس في تحديد حق الاقليات ، فحالما تعرض الأمور على هذا النحو ، يتدخل المنطق الخسيس للتسامح، أي الحماية المتعجرفة التي يمنحها المنتصرون للمهزومين، كان بطرس لا يريد ان يعامل بتسامح، وأنا حفيده، لا أريد ذلك بدوري،بل أطالب بالأعتراف الكامل بحقوقي كمواطن، دون أضطراري للتنكر للانتماءات المؤتمن عليها، وهذا حقي غير القابل للانتهاك، والمجتمعات التي تحرمني منه اشيح بوجهي عنها بكبر وعلياء."
و يخلص إلى نتيجة أنه "غالبا ما يخطئ التاريخ، ولكن جبننا البشري يقودنا إلى تعليل أسباب صحة أحكامه، وحتمية أحداثه، وضرورة فناء أحلامنا السامية، بأسلوب لا يخلو من التبجح والأدعاء"
و في النهاية ورغم اهمية ما يرويه لنا أمين معلوف يصرح " أنا الذي أتيت متأخراً للغاية لا استحق أي تقدير على تأكيد كل ذلك، فالتاريخ أظهر لي الكثير من الأحداث المعبرة!"
وأستطيع القول أن أمين معلوف استطاع ان يقدم في هذا الجزء من الرواية قراءة مميزة للتاريخ تظهر لنا صورة الحاضر و تستشرف المستقبل القادم، فأمين معلوف صحفي قارئ لأحداث التاريخ بعين المحلل و الباحث و المؤرخ ,وفي النهاية هو روائي رائع..
----------------------
(1) الساباتيين: هم ابناء الطائفة التي اتبعت ساباتاي ، الطائفة التي وجدت في سالونيكا، حيث انطلقت اول حركات العصيان في الامبراطورية العثمانية و حيث ترعرع و تعلم كمال اتاتورك.
عن اية استنارات تحدث الكاتب في هذا الجزء الذي تجري اجزائه في بدايات القرن الماضي، بداية الحركات التنويرية و التحريرية في الشرق، لا أرغب بالحديث عن تلك التفاصيل لكن اريد أن أسجل بعض ما استطاع الكاتب ان يقوله من خلال سرده لتلك الفترة،
حيث يؤكد امين معلوف ان الحركات التنويرية و التجديدية لا يمكن ان تأتي عن طريق الأنغلاق والأنكفاء ، بل على العكس، فإن تجاوز الانتماءات الضيقة هو النهج الاسمى والأسخى للخروج من الطريق المسدود، وكان لابد من سلوك هذا النهج الذي سمح بتشكيل ذلك الجيل الذي قاد الحركة التنويرية في الشرق.
"إن ما أنقذ روح الساباتيين(1) ، بنظري على الأقل، هو بالدرجة الأولى الذهنية التي وروثوها عن مؤسسهم، فقد تعرض ساباتاي للسخرية والتهكم لأنه فضل حياته على إيمانه، و بعد التفكير بالأمر ملياً وبهدوء، ليس بوسعنا أن ندين موقفه إدانة تامة: فهدف العقائد خدمة الأنسان، وليس العكس، وبالطبع، ليس بوسعنا سوى احترام الذين يضحون بحياتهم لبلوغ مثال أعلى، إلا انه لا بد من الأعتراف كذلك بأن الكثيرين ضحو بحياتهم على مر التاريخ لأسباب خاطئة، فطوبى لمن اختار الحياة! وطوبى لغريزة ساباتاي البشرية!"
و هو يختصر بشكل بليغ و دقيق لنا كيف انه كثيرا ما أعتبرت القومية هي الشكل المتشدد للوطنية، و لكن هذا لم يكن واقعيا في تلك الفترة و لن يكون في أي وقت اخر، إذ كانت القومية بالتحديد هي نقيض الوطنية... وإن الشرق البائس القائم اليوم هو وليد الأحلام المشتركة للقوميين و الوطنيين الذين نشأوا في تلك الفترة..
ويصل امين معلوف إلى قمة البحث عندما يصور الحالة التي نشأت عن ظهور الحركات التنويرية وفشلها في معالجة موضوع الأقليات في الشرق:
"فجوهر الأمور ليس في تحديد حق الاقليات ، فحالما تعرض الأمور على هذا النحو ، يتدخل المنطق الخسيس للتسامح، أي الحماية المتعجرفة التي يمنحها المنتصرون للمهزومين، كان بطرس لا يريد ان يعامل بتسامح، وأنا حفيده، لا أريد ذلك بدوري،بل أطالب بالأعتراف الكامل بحقوقي كمواطن، دون أضطراري للتنكر للانتماءات المؤتمن عليها، وهذا حقي غير القابل للانتهاك، والمجتمعات التي تحرمني منه اشيح بوجهي عنها بكبر وعلياء."
و يخلص إلى نتيجة أنه "غالبا ما يخطئ التاريخ، ولكن جبننا البشري يقودنا إلى تعليل أسباب صحة أحكامه، وحتمية أحداثه، وضرورة فناء أحلامنا السامية، بأسلوب لا يخلو من التبجح والأدعاء"
و في النهاية ورغم اهمية ما يرويه لنا أمين معلوف يصرح " أنا الذي أتيت متأخراً للغاية لا استحق أي تقدير على تأكيد كل ذلك، فالتاريخ أظهر لي الكثير من الأحداث المعبرة!"
وأستطيع القول أن أمين معلوف استطاع ان يقدم في هذا الجزء من الرواية قراءة مميزة للتاريخ تظهر لنا صورة الحاضر و تستشرف المستقبل القادم، فأمين معلوف صحفي قارئ لأحداث التاريخ بعين المحلل و الباحث و المؤرخ ,وفي النهاية هو روائي رائع..
----------------------
(1) الساباتيين: هم ابناء الطائفة التي اتبعت ساباتاي ، الطائفة التي وجدت في سالونيكا، حيث انطلقت اول حركات العصيان في الامبراطورية العثمانية و حيث ترعرع و تعلم كمال اتاتورك.
No comments:
Post a Comment