Wednesday, September 28, 2005

أين المفر

يقترب رمضان و تقترب معه نفسيتي من الحضيض، والحضيض كلمة قليلة على الحالة التي اصبح عليها في هذا الشهر الذي لا مفر لي من كرهه، كل سنة اقنع نفسي بالتأقلم مع الحالة التي تصبح عليها الناس في هذا الشهر ، ولكن يبدو ان محاولاتي كلها تذهب أدراج الرياح،
ففي السنة الماضية عملت جاهدا لأكون خارج بلدي وحتى خارج الوطن العربي وخارج اي بلد يكون فيه رمضان، و عملت المستحيل لكي اتواجد في باريس خلال شهر رمضان، نعم لم يخطر ببالي افضل من باريس للهرب منه، كل شيء كان معداً بشكل دقيق ، حرصت على ألايكون هناك اية هفوة، الفيزا، مواعيد السفر، مكان الأقامة، ما كان ينقصني اي شيء، كانت سعادتي لاتوصف بفكرة هروبي منتصرا من ذلك الشهر، وكيف لايكون الهروب نصراً في مثل هذه الحالة، كانت الايام تمضي مسرعة و كلما اقترب شهر رمضان كنت ازداد غبطة وفرحاً، نعم يقترب الشهر و يقترب موعد هروبي منه، ساعة حان موعد الطائرة كانت لحظة انحبست فيها انفاسي، ارض باريس الرائعة، أي عشق يتنامي عندي لأي أرض لايطأها رمضان، كانت الليلة طويلة بما فيه الكفاية في شوارع باريس، كانت رائحة الباستيس تملئ الحانة التي سهرت بها تلك الليلة، عدت متأخراً للبيت الذي استأجرته في أحدى الضواحي، كان رأسي المثقل يمنعني من التفكير بأي شي ، حتى اني نسيت رمضان وسبب وجودي في باريس، ورحت أغط في نوم عميق، في تلك اللحظة التي انهالت فيها طرقات قوية على الباب حاولت تجاهلها ولكن قوتها كانت قد اثارت اعصابي، انطلقت نحو الباب و فتحته، كان خلفه شاب صغير السن عربي الشكل، قال لي بعربيته الركيكة "علمنا من صاحب البيت انك من سوريا ولوحدك، وقلنا نصحيك أحسن ما يروح عليك السحور"....

Monday, September 26, 2005

قصة وجه جميل!!

أحيانا كنت أحب أن أرسم الوجوه الجميلة التي ألتقي بها ...
ولكني وفي هذه المرة استغرب أن أحاول الكتابة عن الوجه الجديد والمحبب بشكل ما..
ويبدو أن السبب في ذلك يعود لأن هذا الوجه الجميل غير كاف للتعبير عن الأثر الذي تتركه صاحبة هذا الوجه في داخل الأشخاص الذين يلتقون بها ...
أو ربما لأنني لم أهتم منذ البداية لصاحبة هذا الوجه الجميل ولكن مع هذا فإن جمالها هو المفتاح إلى قلوب الآخرين قبل أي شيء أخر (كما هي العادة) ...
ويبدو لي أن هذه العادة هي في الوقت نفسه مفتاح لهذه الشخصية ، فقد اكتسبت صفة دفاعية ضد الأشخاص الذين اعتادوا ذلك!! وبما أنها صفة مكتسبة فهي ليست من طبيعتها وللمفارقة فهي صفة مخالفة لطبيعتها ، مما جعل بعض التناقض ظاهراً في تصرفاتها ،تحاول أن تخفيه جاهدة بواسطة الحدة في هذه التصرفات (جفاصة كما تسميه هي).

ولا أدري إن كان الرسم يستطيع أن يعبر بألوانه عن كل هذا و ربما يتحقق ذلك بوجود رسام مبدع و لا أظن أني ذلك الرسام.
و لربما لو حاولت رسم تلك اللوحة فسيكون اللون الأزرق هو اللون الطاغي على جميع الألوان و لا أدري لماذا أرتبط هذا اللون الأزرق بشخصيتها في ذاكرتي ،فاللون الأزرق السماوي يلون خلايا ذاكرتي مع ذكرها.

يمكن للرسام أن يقوم برسم لوحته على مدى أشهر طويلة ،يرسم متى شاء ويتوقف عن الرسم متى أحب ،ولكني أشك بإمكانية الكتابة على فترات طويلة فالأفكار سرعان ما تتغير أو تتلاشى ولا يمكن الحفاظ على أية فكرة إن لم يتم كتابتها دفعة واحدة ...
هذا ما أشعر به الآن عند محاولة الكتابة بعد فترة انقطاع دامت عشرة ساعات فصلتني عن الأسطر السابقة ، وخلال هذه الساعات مررت بالكثير من الأحداث والأفعال وأمتلآت ذاكرتي بالأشياء التي حدثت معي وأظن أن ما أردت قوله في ذلك الوقت قد نسيته تماماً ، ولكني أحس بإمكانية استرجاع الانطباع السابق وربما أستطيع الآن أن أعبر عنه بفكرة جديدة قد تكون مختلفة ولكنها بالتأكيد ناتجة عن انطباع تلك الفتاة الرائعة بحق...

أشعر بارتياح كبير لأناس يجعلوني أشعر بالسعادة وأدعوهم أناس رائعون...

فهي فتاة تحب المرح وهي تسعى إليه وتمتلك غالباً الحيوية و الطاقة لإيجاد المرح بأية وسيلة وفي أية ظروف ...
ورغم كل الظروف التي تحيط بها تقول أن الحياة جميلة لذلك فهي بحق فتاة مرحة... ولكن مرحها هذا قد يكون أحياناً على حساب الآخرين إن اقتضى الأمر ، وهي تشعر بضرورة ذلك أحياناً ( ويبدو أنها طريقة دفاعية أخرى تدعوها "تلطيش") وهو أمر مقبول من وجهة نظري ... ولكني لا أزال في حيرة من أمري فهل يوّلد هذا المرح كله السعادة لديها أم هي تكتفي بأنها تمرح فقط و لايهمها غير ذلك ؟؟؟

يبدو أنني انسقت مع أفكاري وهذه هي واحدة من مساوئ الكتابة ، فالكتابة تجعل الأفكار تنساب مع انسياب القلم فوق الورقة .. ولكن الرسم هو مجرد صورة لانطباع راسخ أو إحساس ما دون أفكار و دون ارتباط بأحداث و أزمان معينة .... و لكني اخترت أن أكتب و بالتالي لا بد من التفكير ، و سأحاول أن أدع لانطباعاتي التأثير الأكبر على هذه الكلمات ...

ولكني وبشكل ما أحاول أن أهرب من الانطباع الذي يملئ داخلي عند ذكر هذه الفتاة ،فأول انطباع أحمله تجاهها هو أنها فتاة مزعجة بشكل ما و لكنه انطباع غامض لا أعرف له سبباً وأكثر ما فيه غموضاً أنه يتلاشى عندما أراها و حالما تواجهني ابتسامتها وأشعر بالذنب لما أحمله من انطباع ربما كان خاطئاً ..... وكثيراً ما كنت أحاول أن أعبر عن أسفي تجاه ذلك ... و لكن هذا الانطباع يشبه كثيراً ما نحمله من ضيق تجاه تصرفات طفل صغير و مدلل و شقي ولكننا نقبل به لأنه طفل صغير و بريء .....
كثيرة هي المشاعر المتناقضة التي تولدها بداخل أي شخص يعرفها و كل من هؤلاء يتصرف بشكل مختلف حسب إدراكه لطبيعتها وأهدافه التي يرسمها و أظنها من الذكاء فتدرك أبعاد الأمور بسرعة و يمكن لها أن تتصرف بثقة و قوة تعيد الأمور إلى نصابها بأية طريقة كانت و أحياناً دون النظر إلى النتائج...

إنها (رغم كل شي) فتاة جيدة و سيكون ذلك في بقية الحديث ....

عادة ما يتمتع الرسامون بخيال واسع ، ولا أدري لم أحمل أنا هذه الصفة فغالباً ما تتحول الكلمات التي أسمعها إلى صور في مخيلتي و كثيراً ما أبحث عن شبيه لخيالاتي في الواقع ...

كانت كثيراً ما تتحدث عن أبيها و كنت قد رسمت صورة هذا الأب في مخيلتي بما يتناسب مع ما تتحدث به عنه ، وكثيراً ما روت عن طباعه وشخصيته وكذلك قالت أشياء أخرى مثل كم يبلغ عمره و ذكرت مرة أن له بشرة سمراء اللون و قامة طويلة ومن كل هذه الصفات حاولت أن أتخيل له صورة وفي كل مرة تذكره فيها ، و لكني لم أهتد أبداً إلى صورة مقنعة ومناسبة لهذه الشخصية، و عندما قابلته للمرة الأولى حاولت بشكل سريع أن أطابق بينه و بين تلك الصور التي رسمتها له في مخيلتي ، لكنها كانت مختلفة بشكل أو بأخر .... فلم يتبادر لذهني أبداً أن يكون طوله مترافقاً بكرش غير متناسب مع هذا الطول و خاصة أن بنيته نحيفة نوعاً ما... أما تلك القبعة التي يضعها على رأسه فرغم معرفتي بأنه يخفي رأسه التي بدأت تخلو من الشعر بقبعة سوداء اللون و لكني لم استطع أن أتخيل كيف ستكون تلك القبعة على رأسه....
أما بشرته السمراء فهي أكثر ما أدهشني و يبدو كأنه عاش طوال حياته تحت أشعة الشمس مع أن هذا غير صحيح فهو متقاعد منذ زمن وفي عمله لم يكن يتعرض للشمس( كما علمت منها).
ولكن أغرب ما في الأمر أن شكله لا يناسب عمره و هو يبدو أصغر من عمره الحقيقي .... وبدا هذا واضحاً بالنسبة لزوجته التي كانت تقف معه و التي يبدو أنها امرأة كبير السن تشبه بشعرها الأبيض الجدات في قصص الأطفال... و لكنها أثارت استغرابي بوقوفها إلى الخلف منه و على بعد عدة خطوات!! فإذا كان هذا هو وضعها بالنسبة له كزوجة فأين هي منها كأم .....
الأم ..هذه الكلمة التي تثير بداخلي غموض كبير .....
فبقدر ما حاول الرسامون رسم الأم بين ألوان لوحاتهم أرى اللوحات كأم تضم الألوان بين جناحيها .... وأظنهم لا يرسمون الأم بين تفاصيل لوحاتهم و لكنهم يرسمون التفاصيل لتشكل أماً ...
ولا أدري أين هي الأم عند هذه الفتاة فكل ما أعرفه أنها كانت زميلتها في العمل وهذا ما كان يعطيها أماناً و قوة في عملها ، وما أشد الفراغ الذي سببه ترك الأم لعملها بسبب كبر سنها ومرضها !!! ورغم اعترافها بذلك فهي كما يبدو لي كانت دوماً تحاول الوقوف موقف الند من هذه الأم.....
الأم التي أنجبتها مع توأم لها كان الابن الوحيد للعائلة مع وجود أختهما الكبرى ولأن لديهم عادات اجتماعية لم أفهمها أعطت الأم أبنتها لأختها وأبقت وحيدها ليربى في حضنها .... فكانت لها أماً ثانية هي خالتها ... وربما يكون طبيعياً أن يربى الطفل عند أخواله وبعيداً عن حضن أمه و لكن في حالة وجود توأم ،يربى أحدهما عند أمه و أما الأخر فيفقدها ... فأظن ذلك قد جعلها تصنع من خالتها أماً بديلة لها وتركت أمها أماً لأخيها و لكنها كانت فتاة ذكية فلم تتخلى عن أبيها و حولت علاقة الأبوة إلى علاقة صداقة لتكون ومنذ البداية نداً قوياً لأمها ... و كل هذا جعل منها فتاة عنيدة (سماوية) لا ترضخ بسهولة , لكن الأم و بكل ما في أمومتها من ذكاء فطري للتعامل مع الأبناء تستطيع مع الزمن أن تخضع أبنتها للقيم ومتطلبات البيئة الاجتماعية وأظنها استطاعت أن تحول عناد أبنتها إلى خدمة هذه المتطلبات الاجتماعية ... وأظن أن هذه الظروف جعلت منها فتاة محظوظة لأن خالتها كانت أماً رائعة وهذا ما لاحظته من خلال كلامها معها أو حديثها عنها .. و قد تركت داخلها جزءاً كبيراً من تلك الروعة تحمله معها دوماً. وأعلم أنها تعيد لها صنيعها ذلك الآن ....

كل هذه الأشياء جعلتني لا أفهم في البداية كيف لشخص يملك طباعاً هادئة مثلي أن يتعامل مع فتاة مثلها ، كثيراً ما كان يثيرها طباعي .. و لكني أكتشف فيما بعد أننا لحسن الحظ تقاسمنا نوعاً من التعاطف اٌستهزائي و هو شيء يشبه المودة إلى حد بعيد وقد ساعدنا ذلك في تحمل كل منا للأخر .....
كل هذا كنت قد توصلت إليه بنفسي أو استنتجته استنتاجاً لكن هناك جزء مهم جداً لا بد لي من الحصول عليه أنه الجزء الذي يجب أن تحكيه هي عن نفسها ، فهي لا تتحدث عن نفسها أبداً و دائماً تقول ليس هناك من شيء مهم ، و لكني أود أن أسمع منها هذا الجزء الخاص الذي يخفيه كل شخص بداخله ولا يقوله إلا في لحظات خاصة جداً و لكني لا أعرف كيف سأصل إلى ذلك الجزء و فيما إذا كنت أستطيع الوصول إلى تلك اللحظات في حياتها وأظن هذا أمراً صعباً (شبه مستحيل) و غير ذلك لن يكون لدي ما أزيده على كل ما توصلت إليه....

وبعد صمت طويل يكون انفجار البراكين هذا ما علمتنا إياه الطبيعة ...
الطبيعة التي استطعنا مع الزمن فهم آليات عملها و تعلمنا كيفية السيطرة على الكثير من هذه الآليات وتقبلنا ما لم نستطع عليه أو فهمه...
لكننا لم نزل عاجزين عن فهم هذه النفس البشرية وآلية عملها ... فنحن نفهم انفجار البراكين ولا نستغرب صوته الهائل ولا حممه البركانية المنبعثة وندرك كيف تعبر الطبيعة بكل هذا عن نفسها ...
ولكني أستغرب هذه الإنسانة التي انفجرت أخيراً و لكنها كانت تحاول أن تكتم صوت الانفجار و تحاول ألا تقذف الحمم و هي تحاول أن تكتم الانفجار ذاته .... من أين للإنسان بهذه المقدرة التي لا تملكها الطبيعة نفسها ....

ما أروعك أيتها الطبيعة بكل ما فيك ... ولأشد ما أشعر بتعاسة هذا الإنسان الذي لم يتعلم منك الدروس الكثيرة ....
قلت لها انفجري كما يشاء الانفجار و لا تكتمي صوتك، لا تدع التمرد بداخلك يستسلم ،دع كل شيء لطبيعة الأشياء ، ولكن عبثاً حاولت فكل ما حصلت عليه منها أنه ليس هناك فائدة من كل هذا ....
وما الذي يفيد إذا ،إني لأدرك طبيعة الأشياء كالحجر مثلاً و أتقبلها كما هي ، أو عندما يتفتت الحجر رملاً ...
لكني أرفض أن أتقبل أي إدراك لطبيعة الإنسان حين لا تعود جزءاً من طبيعة الأشياء....

موت عميق

ابتعدوا عني ودعوني أموت!! هذه كانت أخر الكلمات التي قالها قبل ان يطوى التراب تحته اثار حياته،في قبره كان وحيدا كما في حياته، و كيف له ان يأمل بأكثر من قبر فارغ إلا من ظلام يكسو جدرانه، كان فرحاً بقبره الوحيد حين دفنوه، وراح يغط في موت عميق، وكأن الموت وضع حداً لأحلامه اليائسة التي ما كانت تدعه في حياته، وحده الموت ينهي اسوأ الكوابيس هذا ما كان يقوله لنفسه دوماً ...

صوت الهاتف يرن، يستيقظ من حلمه الغريب !!
"من المتصل؟ " مؤسسة تحلية المياه ، اه، نعم، نعم سأكون على الموعد إنشالله !!
بعدها ينظر لوجهه في المرأة و يضحك بأعلى صوته..

Saturday, September 24, 2005

أختزال


So deep like an ocean!!!!

ليس لهذه الجملة اية قصة سوى اني كتبتها لأن الورقة التي وجدتها أصغر من أن تتسع للكثير من الأفكار التي تنتشر في رأسي، فبحثت عن أصغر فكرة قد تتسع لها الورقة... ويبدو ان صغر هذه الورقة جعل من فكرة الاختزال تسيطر على تفكيري، فلا زلت اذكر تلك الكلمات التي قرأتها في يوم من الايام، ومنذ تلك الايام و فكرة الاختزال تثيرني..
لم يتبقى سوى سطر واحد في الورقة الصغيرة، وهاهي اخر الكلمات التي تتسع لها الورقة وقد كتبتها

Thursday, September 22, 2005

الشيطان في الجنة - هنري ميللر

إنني أعتذر، قلت، لكنك تعرف بأنني خشن و مباشر في الغالب ،لكن هذا لا يعني بأنني أنوي التقليل من شأنك أو الاستهزاء بك , كنت أود أن أقول لو أجبتني على أسئلتي، أجبني إذاً فوراً: أيهما أكثر أهمية بالنسبة لك الأمان و البهجة أم الحكمة ؟ و إذا كانت الحكمة ستجعلك سعيداً، فما هو اختيارك؟
كنت أتوقع منك أن تجيب بأننا لا نملك الخيار. ربمــا . بقيت أمريكياً بشكل مرعب، قلت ،أي ساذجاً و متفائلاً و مغفلاً، وربما لم أتعلم خلال السنوات الخصبة في فرنسا سوى تقوية و تعميق طبيعتي الأصلية، لست سوى أمريكياً، مائة في المائة ،بعيني شخص أوروبي، أمريكي يكشف أمريكيته مثلما يكشف جرحاً, إذا أعجبك هذا أم لم يعجبك ،فأنا نتاج هذه الأرض الغنية، شخص يؤمن بالوفرة و يؤمن بالمعجزات ،لقد تحملت الحرمانات التي مررت بها لوحدي، و لا ألوم شخصاً على ما فاتني و على أخطائي و آلامي أكثر مما ألوم به نفسي، و لقد تعلمت خلال مجرى الحياة بعمق ما كنت تتخيل آن بإمكانك تعليمي إياه بفن التنجيم، و قد ارتكبت جميع الأخطاء التي يرتكبها إنسان، و دفعت الثمن، و هاأنا ذا أكثر غنى و حكمة و أبعد سعادة مما لو كانت الدراسة و التأديب قد علماني، تجنبت المكائد والأحابيل، إن فن التنجيم سيمتع ذواتنا المستترة إذا لم أخطأ، الذات المستترة لا تهمني، و ما يهمني هو الإنسان الذي يحقق و يبرز هذا الاستتار، من هي هذه الذات المستترة ؟ أليست حصيلة كل ما هو إنساني، أي إلهي بمعنى أخر، هل تعتقد بأني أفتش عن الإله ؟ كلا الإله موجود، و العالم موجود و الإنسان موجود، نحن موجودون ،الواقع الكامل تماماً هو الله نفسه، الإنسان و العالم و كل ما يتضمن بما في ذلك الأشياء التي لا تسمى، أنا مع الواقع، مع واقع أكبر فأكبر، أنا متعصب للواقع إذا شئت ..... ما هو فن التنجيم ؟ ما هي علاقته بالواقع ؟ بالطبع له علاقة مع بعض الأمور ،مثلما لعلم الفلك و التشريح و الرياضيات و الموسيقى والأدب، كما أيضاً مثلما للبقرات في المرعى و الأزهار و الأعشاب التالفة و الزبالة التي ترميها الحياة، من زاوية معينة فإن بعض الأشياء ستبدو ذات أهمية أكبر من الأخرى، بعضها له قيمة كما نقول و الأخريات ليس لها، كلها لها قيمتها و مهمة، أنظر لأشياء مثل تلك و سأقبل فن تنجيمك .

= هاأنت في واحدة من أيامك السيئة، من جديد، قال ذلك و هز كتفيه ...

- أعرف، أجبت، كن صبوراً معي، سيأتي دورك في الحديث، من وقت لوقت أتمرد حتى على ما أظنه روحي كلها، يجب أن أغضب على شيئاً ما، بما في ذلك نفسي، لماذا ؟ لأنني كنت أبسط الأمور، نحن نعرف الكثير و هذا قليل، حقيقة، العقل يخلق لنا المنغصات و ليس الذكاء، لأننا لا نملك من هذا الأخير ما يكفي أبداً، لقد اكتفيت من سماع من لا يملكون سوى وتر واحد في كمانهم، لا أنفي شرعية فن التنجيم، و ما أقاومه هو هذه العبودية لوجهة نظر واحدة مهما كانت، هنالك بالطبع قرابات و تماثلات و تطابقات، ثمة إيقاع سماوي و إيقاع أرضي و سنسبح في الجنون من دونهما كليهما، إننا نعرف ذلك و نرضى به، فلماذا ننساه إذاً ؟
أريد أن أقول لم لا نجعله جزءاً حيوياً من الوجود، آه، نمتصه و ندمجه و نوزعه في مسام جلدنا لكي لا ينسى، يغير و يستخدم من أجل خدمة الحياة، أشعر بالرعب من البشر الذين يعتقدون بحتمية مرور الأشياء كلها خلال فلتر اللغة الوحيدة التي يعرفونها، سواء أكانت فن التنجيم أو الدين أو اليوغا أو السياسة أو الاقتصاد أو أي أمر أخر .....
قضية واحدة تثير فضولي في كوننا ّ قضية واحدة تريني بوضوح أنه كون إلهي، و هو ينجم بسهولة مع جميع التفسيرات و لا ينسجم معها، إن كل ما نقوله عنه دقيق و غير دقيق في آن واحد، إنه يتضمن حقائقنا و أخطائنا، و مهما فكرنا به فلن تغير أفكارنا منه شيئاً، و لكن لنعد الى النقطة التي ابتدأت منها، إن حيوات متنوعة تنفتح أمام كل واحد منا، و كلنا نرغب بظروف أكثر انسجاما و لطافة، ونريد الاستفادة منها، هل علينا و الحالة هذه الركض الى الكتب و الى المربين و الى العلم أو الدين، أو الفلسفة ؟ و هل نحتاج لمعرفة المزيد و المزيد هو قليل لنبلغ الشاطئ الأخر؟ ألا نستطيع حقاًأن نعي الأشياء دون إخضاعها لذلك التعذيب .

=إن الحياة ليست سوى مشهد صلب المسيح، قال لي، و إن معرفة فن التنجيم لن تغير من الحقيقة المؤلمة هذه شيئاً.

-والاستثناءات ؟ أنا متأكد من أن ....

=لا توجد استثناءات، تابع، كل أمرئ حتى الأكثر حنكة لديه ألامه و عذاباته ،الحياة صراع أزلي لا يبقى لنا سوى الهموم و العذابات، العذابات التي تعطينا قوة و فضائل ...
-لماذا لأي هدف ؟

=لكي نتحمل عبء الحياة بشكل أفضل !

-هنا رؤية متشائمة، و النتيجة فإن هذا يعادل خوض معركة نعرف سلفاً بأننا سنخسرها .
=و لكن يوجد شيء أسمه التضحية .

-هل هذا هو الحل ؟

=نعم بالنسبة للبعض، و كلا للآخرين، ليس لدينا الخيار.
-بالشرف، هل يوجد برأيك ما نسميه الخيار؟ فكر قبل أن تجيب.

=نعم أؤمن أن لدينا الخيار أحياناً. و لكنه خيار أكثر ضيقاً مما نفكر عادة . نحن أحرار بالاختيار في حدود مصائرنا ! إن فن التنجيم يمتلك أهمية قصوى في إدراك الظروف التي تشرف على تطورك، الظروف التي يجعلها التنجيم واضحة، عندها سوف لن نختار ما لا يمكن اختياره.

-إن حياة الرجال العظام، قلت، تعلمنا العكس تماماً.

=إنها تبدو كما تقول، و لكن إذا تفحصنا طالعهم فأننا سوف نصعق من صعوبة أن يختاروا شيئاً خلاف ما كانوا قد اختاروه حقاً، إن ما يختاره المرء هو دائماً منسجم مع سجيته، في مواجهة مشكلة معينة، فإن نابليون سيتصرف بطريقة معينة و القديس بول بطريقة أخرى...
-نعم، نعم، أعرف هذا كله، قاطعته، و أعرف أيضاً، أو أظن بأنني أعرف، بأن القديس بول كان القديس بول، وأن القديس فرنسوا هو القديس فرنسوا و أن نابليون كان نابليون، وأنهم قد حققوا معرفة قوية بفن التنجيم، أن نفهم حياتنا و مشكلاتنا و نفحصها بتعمق قليلاً فقليلاً، و أن نستبعد ما ليس ضرورياً حقاً، لا شيء من هذا يهمني بعد، إن النظر الى الحياة باعتبارها عبئاً، باعتبارها ساحة للمعارك، باعتبارها مشكلة إنما هي طريقة تجزيئية للنظر الى الحياة، إننا نردد فقط بيتين من الشعر أكثر من مجلد ضخم متبحر، لكي نعطي للأمور حقها علينا أن نجعلها شعرية، و هكذا فأن الوسيلة الوحيدة بالنسبة لي لكي أستمتع بفن التنجيم أو بجميع الأمور الأخرى، هي أن أضعها في زاوية نظر شعرية أو موسيقية، إذا قامت هذه الزاوية التنجيمية بإنتاج إشارات جديدة و إيقاعات جديدة، و ارتعاشات جديدة، فلقد أدركت هدفها برأي، إن المعرفة تثقل و الحكمة تحزن، أما الحقيقة فلا علاقة لها بالحكمة و المعرفة، إنهما خلفهما، إن بعض يقيننا يقف خلف البراهيــــن .
يزعم المثل الجاري أنه لا بد من توافر شيء من كل شيء لخلق عالم معين !! إن هذا لن يحتمل إذا تعلق بالأفكار لنضع جميع اللوحات، جميع الأفكار و الفلسفات سوية، كل هذا الخليط لن يولد شيئاً، إن نتيجة المعارف جميعاً ليس سوى التباس أكبر حجماً.
إن الفكر يهرب، و العقل ليس هو الفكر، الفكر نتاج الأنا، و لن تهدأ الأنا أبداً و لن تقنع، متى بدأنا نعرف بأننا نعرف، متى توقفنا بالاعتقاد بأننا سوف نعرف ؟ تجيء الحقيقة مع إعادة الحسابات و هي دون كلام، الدماغ ليس هو الفكر، إنه طاغية يريد السيطرة على الفكر.
ما علاقة كل هذا بفن التنجيم؟ لا شيء، و كل شيء مع ذلك، بالنسبة لك أنا أحد أنماط برج الجدي، بالنسبة لمحلل نفساني أنا أمر أخر، بالنسبة لماركسي فأنا جل لمادة الخ ..... ماذا يعني هذا بالنسبة لي ؟ و بما تتعلق بي الطرق التي تشتغل بها آلاتكم الفوتوغرافية؟ من أجل رؤية شخص في كليته و لمعرفته يجب أن توجد أنواع أخرى من الكاميرات، ينبغي توافر عين أكثر موضوعية من عدسة، ينبغي النظر الى الطبيعة الحقيقية للشخصية عبر أضلاع مختلفة تعمينا انعكاساتها اللماعة للحظة، إننا نتعلم المزيد و المزيد و لكننا نعرف الأقل، مجهزون بالأحسن و نرى الأقل عندما نتوقف عن محاولاتنا للنظر و لمعرفة أننا نرى حقاً و نعرف حقاً، الذي يرى و يعرف ليس بحاجة للنظارات أو النظريات، إن جميع مجهوداتنا و نضالاتنا تشكل نوعاً من الاعتراف، و هو وسيلة نستدعيها نحن أنفسنا، بأننا ضعاف و جهال و عمي و دون مقدرة بينما نحن لسنا كذلك .
لقد توصلت الى أن فن التنجيم قد ظهر في لحظة من تطور الإنسان كان فد أضاع فيها الإيمان بنفسه، و بعبارة أخرى في اللحظة التي أضاع فيها اكتماله و كان يفتش عن كينونته، لا تؤرخ الشيزوفرينيا بالأمس أو أول أمس و لكن بعهد بعيد عندما فكك الإنسان ما كان عليه الى عشرة آلاف جزء، و يستطيع حتى الأن أن يموه ثانية تجانسه الكامل ،إن الفرق الوحيد بين الإنسان أدم و لإنسان الراهن ،هو أن الأول كان قد قدر عليه أن يكون في الجنة بينما الإنسان الراهن عليه أن يخلقها، الأمر الذي يقودنا الى مسألة الخيار، بالنسبة للإنسان، فالوسيلة الوحيدة للبرهنة على حريته هي أن يقرر أنه حر، و هذا غير ممكن إلا بإدراكه أنه فقد حريته بسببه هو نفسه، و بالنسبة لي فأن هذا يدل على أنه يجب اقتلاع السلطات التي أعطاها الإنسان للمجهول من المجهول !! كلما تعرف الإنسان على القدرة في نفسه أصبح أكثر حرية، و كلما أصبح أكثر حرية فأنه يفقد القليل من القرارات، وسيغرى بقليل من الخيارات، ومن جهة أخرى فإن كلمة الحرية هنا ليست محلها، سيكون اليقين آنئذ أو العصمة مناسبتين، لا توجد في الحقيقة أبداً سوى طريقة واحدة للتصرف إزاء أي حالة معطاة من الحالات، لا توجد اثنتان أو ثلاثة، الحرية تتضمن خياراً واحداً و هو لا يوجد إلا عندما نعي مقدرتنا، إن المسار المطلع ليس بحاجة للفكرة، لأنه الشيء ذاته مع فكرته و عمله.
يبدو أنني قد ابتعدت عن موضوعي ،و لكن ليس دون التماس معه، أتكلم بلغة أخرى فحسب، أقول أن السلام و البهجة في متناول الجميع، وأن جوهر وجودنا يشابه الإله، أقول أنه لا توجد حدود لا في الفكر و لا في العمل، أقول أننا جميعاً واحد ولسنا متعددين، و أقول بأننا هنا و لن نستطيع البتة أن نكون في مكان أخر، إلا إذا ما نفينا ذلك، أقول أن رؤية الاختلافات هي ما تخلق الاختلافات، إن برج الجدي ليس برج الجدي إلا بالنسبة الى منجم أخر، و أن فن التنجيم يستفيد قليلاً جداً من الشمس و القمر في حين هناك ملايين أخرى من الكواكب من الأكوان الأخرى، من النجوم و المذنبات والنيازك الأخرى، هل يستطاع حساب مساحة الفضاء أو حجمه أو إشعاعاته، ألا يشكل ذلك كلاً متداخلاً؟ من سيجرؤ أن يقول أين تبدأ التأثيرات و أين ستنتهي، من سيجرؤ أن يقول ما هو المهم و ما هو غير المهم فيه. من يمتلك هذا الكون ؟ من يقوده ؟ وروح من تحركه ؟ و إذا ما احتجنا الى مساعدة أو استبشاره و الى توجيهات، فلماذا لا نذهب الى المصدر مباشرة؟ و لماذا لا نسعى وراء هذه الاستشارات و تلك التوجيهات لكي نجعل الأشياء مريحة أكثر و نغدو نحن أكثر فعالية، ولكي ندرك أهدافنا بشكل أفضل؟ فلماذا تكون الأشياء معقدة وصعبة و غامضة و قليلة الإقناع الى هذا الحد ؟ لأننا نقيم في وسط الكون و لأننا نرغب أن تجري كل الأشياء حسب هوانا، ما هو مسموح لنا باكتشافه هو ما يريده لنا هذا المسمى بالحياة و الرب والروح و أيما اسم أخر . إذا كان هدف فن التنجيم يقع هاهنا، حسناً أنا موافق.
شيء واحد أود أن أقوله لأنتهي من الموضوع أخيراً، إنه يتعلق هذه المرة بصعوبتنا الدائمة في علاقتنا مع الآخرين، خصوصاً الذين يبدون أنهم يشكلون مشكلتنا الأولى، إن وجهة نظري هي إنه إذا توجب علينا أن نحسب الاختلافات و التباينات بين هذا و ذاك لكي نتفاهم فلن نحصل على معرفة كافية لتقوم علاقاتنا دون صعوبة، و بطريقة مقنعة ،إذا ما أردنا الوصول الى نجاح بذلك علينا تذليل العقبات و صولاً الى الكنه المكين لدى الناس، و صولاً الى الجوهر الإنساني المشترك بيننا جميعاً، هذا ليس صعباً و لا يتطلب كفاءة خاصة، لا لعالم نفساني , لا لعراف، و لا حاجة له بأبراج فن التنجيم و تعقيدات ردود أفعالها إزاء هذا و ذاك، ليس ثمة وسيلة وحيدة بسيطة و مباشرة و مشتركة بين جميع أنماط الأبراج، تلك هي ممارسة الثقة و الصدق.
لقد أمضينا حياتنا بمحاولة تلافي الجروح والإهانات التي يجهد جيراننا بتوجيهها إلينا، هذا زمن معكر للصفو بخسارات صافية، إذا وافقنا على نسيان خوفنا و أحكامنا المسبقة فحسب فسيغدو ذلك سهلاً، أن تكون أن تكون على صلة بالقاتل كما بالقديس، عندما أرى الناس و هم ينحنون على بطاقات التنجيم في محاولة للهرب من الأمراض و الفقر و الشر أو أي سواها، فإن مصطلحات فن التنجيم تلتغى في رأسي، يصير لدي شعور بأني أشاهد محاولات يائسة لاستغلال النجوم، نتحدث عن القدر كما لو أننا نتحدث عن عقوبة مفروضة علينا و التي هي تأثيرات أسباب أقل سرية مما ندعي، إن غالبية لعناتنا تنتسب الى سلوكنا مباشرة، إنها ليست دمارات ناتجة عن زلازل أرضية و لا عن البراكين أو الزوابع أو اصطخاب أمواج المحيط، إن ما يجعل الإنسان يتألم هي آثامه هو، و حماقاته هو، و جهله و عدم احترامه للقوانين الطبيعية، إن بمقدور الإنسان أن يلغي الحرب و المرض و الشيخوخة وربما الموت ذاته، ليس ضرورياً أن يعيش بالفقر و الشر و الجهل كما ليس ضرورياً أن يعيش بحالة منافسة و تزاحم، إن شروط هروبه من ذلك قريبة إليه، لكنه سوف لن يحققها طالما سينشغل تماماً بمصيره الذاتي الخاص، هل نتخيل طبيباً يرفض الحضور بذريعة خطر الإصابة بالعدوى، و كما قال الكتاب المقدس فنحن أجزاء من جسد واحد، و نحن في حرب ضد بعضنا، إن جسدنا الفيزيقي يمتلك حكمة تنقص من يسكن فيه، نحن نشرع قوانين خرقاء، ليس هناك أيما سر في المرض أو الجريمة و الحرب و ألف ألف من الأشياء التي ترهقنا، يجب أن نعيش ببساطة و حكمة، أن ننسى و نعفو ونتنازل، كيف ستكون لدي حاجة لأعيش في الأمس لكي أستمتع بالغد ؟ ألست بقادر على أن أنسى الماضي الأن لأعيش حياة جيدة قريباً ،إذا رغبت أن أفعل حقاً؟
السلام و البهجة، يكفيني أن أطلبهما يوماً بعد أخر، الصيغة وحدها تكفيني، كلا ليس هذا أيضاً بالحقيقة اليوم، إنها فحسب ( هذا اليوم الجميل) أليس هذا هو عنواناً لكتاب "ساندرار"؟
حاول إذاً أن تجد لي أحسن من هذا إذا استطعت .

Tuesday, September 20, 2005

قصة حزينة عن فرح-تتمة

رغم كل محاولاتي للتهرب من إكمال هذه القصة، كنت في اعماقي اتوقع دائما لحظة أقرر فيها ان اعود لأكتب ما بقي منها، ولا اخفي عن نفسي اني كنت مترددا في إكمالها رغم الرغبة التي تملكتني في إخراج البقية الباقية من كلمات هذه القصة ولم استغرب فضول من قرأها وسألني عن بقية الاحداث، وقد حاولت كثيرا ان اتهرب من الجواب، وعلى مايبدو ان الكلمات التي تبقى حبيسة في العقل! تبقى ولا تزول إلى أن نخرجها منه، وحينها فقط نستطيع ان نشعر بالراحة لأنه لم يكن هناك مجال للهروب من كلمات لابد من قولها.

فهل حان موعد النهاية لهذه القصة القديمة، وهل تنتهي القصص بمجرد ان نخبرها للأخرين، تثبت تجربتي الخاصة، انه لا خلاص من بقايا وأثار القصص علينا، بل نحن نتاج تجارب عشناها، كل تجربة تشكل فينا جزء من شخصيتنا التي بنيت على نجاح او فشل تجاربنا السابقة، والسعادة ليست في نجاح التجربة فقط، السعادة تكمن في ان نعيش التجربة نفسها، ومن هنا نستطيع ان نميز بين تجارب مختلفة في الحياة، تجارب نعيشها بمحض ارادتنا ونكون في موقع المتحملين لنتائجها مهما كانت، ولكن من يتحمل نتيجة تجارب يعيشها المرء بطريق الصدفة او يعيشها تجربة مفروضة عليه كما فرضت عليه لحظة ولادته، وهذا مايعيدنا لقصة فرح وتجربتها،

أن تعيش في ظل عائلة مفككة عاطفياً واجتماعياً هذا شيء تعودنا عليه في مجتمعنا، فليست الروابط الزوجية هي ما يخلق الحب ولا التألف الاجتماعي، وتعودنا على زواج قادر على أن يخلق عائلة مشوهة، عائلة يكون نتيجتها فتاة في العشرين من عمرها اسمها فرح، تحمل اسم فرح ولكن لاتعرف للفرح مكان في حياتها،

فرح التي رغم سعادتي بلقائها في بيت صديقي حسام بعد غياب لفترة طويلة تلك السعادة التي شابها الكثير من الاستغراب والكثير الكثير من الاسئلة التي ملأت رأسي، وقد كان من الصعب ان اتجاوز تلك الاسئلة، فمنذ عرفتها صغيرة كان يملئ حياتها فراغ كبير، ولا اعرف كيف للفراغ ان يملئ حياة شخص ما، أليس هو فراغاً، كانت فرح، طفلة صغيرة عندما قررت امها التخلص من زواجها والارتباط بزواج اخر من رجل يعيش في الكويت ولكن صغر سن ابنتها جعلها تنتظر وقتا اطول لتنفذ مشروعها هذا، وبما انها عاشت تلك الفترة وهي مرتبطة برجل اخر، يعلم الزوج بوجوده ولكنه يعجز عن مواجهة زوجته لأنه كان يفكر في مصير الطفلة الصغيرة وكيف ستكون حياته لو تخلت امها عنها وهي صغيرة، ولهذا توصلوا إلى اتفاق على حياة تسير وكل منهما يرتدي قناع التواصل والذي لم يكن يخفي من النوايا شيئا، كانت وحدها فرح، ترتشف البؤس مع كل قبلة طبعوها على خدها وهم يتمتمون بكلماتهم الغاضبة بسبب بطئ نموها وتأخيرها لمشاريعهم، لقد حملوها ذنب الزمن البطيء، وحملوها كرههم للأنتظار، كانت مثل الكرة يتقاذفونها بينهم.
عندما التقيتها اول مرة، كانت اللعبة قد انتهت وتحولت الى نزاع على الحقوق، كل ما كان يدور حوله النزاع هو ملكية البيت، وملكية المكتب، وباقي الاملاك، وحدها فرح كانت خارج الملكية وخارج أي نزاع وبشكل ما خارج اي اهتمام، كانت الأم تحمل في جعبتها مخطط لزمن قادم بدون طفلتها، وكان الأب يعلم انه لا مهرب له من تولي رعاية طفلته.

وهذا ما صارت إليه الامور في تلك الايام، وبقيت فرح مع أبيها الغارق في أعماله، وكان لابد من ان يساعده احدهم فيها وكنت انا ذلك الشخص ولكن تعاوننا لم يستمر سوى لفترة قصيرة جدا وسار كل منا في طريقه. ولم اعرف كيف سارت الامور بعدها، حتى تكرر لقائي بها وهذا ما سمح لي بمعرفة الكثير فيما بعد، فبعد يومين من لقائنا في منزل حسام في تلك السهرة، اتصلت بي، وطلبت مني ان أزورهم وقالت ان ابوها يسره ان يلقاني مجددا بعد كل هذه السنين،

اعلم انكم تقولون انني احاول تصوير الوضع على انه مأساة وان كل ما قلته حتى الان يندرج تحت الاشياء العادية وانها ليس سببا مقنعا ليجعل حياتها حزينة ومؤلمة، وانا نفسي أقول ذلك فكل ما قلته ينطوي تحت احساسي الخاص وليس بسبب ما سارت بها الحياة معها، كل ماقلته حتى الان هو مجرد احاسيس لم أعرف صدقها إلا بعد ان طرقت الباب في مساء ذلك اليوم وانتظرت ان تفتح لي الباب، لكن خرج لي شاب صغير السن لم يبالي لوجودي ودعاني للدخول وعاد إلى الداخل، لم اعرف ما أفعل، بدأت اصطنع السعال كما هي العادة القديمة قدم هذه المدينة، علّ احدهم يخرج ويرحب بي، اين اختفى ذلك الشاب لما تركني وذهب للداخل، انتظرت لدقيقة ثم قررت الدخول، فأنا اعرف المنزل الذي لم يتغير اثاثه القديم كثيرا، لم تزل الاشياء كما لو انها محفوظة في متحف، كنت امشي خطوة واتلفت حولي، كأني اخشى شيئا ما، اردت ان أنادي احداً، ولكن فرح خرجت مسرعة من غرفتها واطلقت ذراعيها بإتجاهي، وضمتني كما تفعل من تستقبل حبيبها الذي غاب عنها دهراً، لم اكن مرتاحا بين يديها، لم اشعر بمكاني داخل تلك الضمة، حاولت التملل ولكنها لم تدع لي فرصة، امسكت بيدي وسحبتني إلى داخل الغرفة، قالت لي "ادخل نحن جالسون هنا"، أعتقدت أن كلمة "نحن" تعني ذلك الشاب الذي فتح لي الباب ولكني تفاجأت بوجود اربعة من الشبان في تلك الغرفة الصغيرة التي كان يبدو انها غرفة نومها، فهي تحوي سرير في وسطها وكان يجلس عليه اثنين من اصحابها ويتكؤن على بعضهم البعض، اما الاخران فكانا يجلسان على اريكة صغيرة يحشران نفيسهما فيها لأنه لم تعّد لأن تتسع لشخصين بحجميهما. نظرت حولي علني اجد مكاناً اجلس عليه، لكن كان عبثا ان ابحث عن ذلك المكان، وقد لاحظت حيرتي التي بدت على وجهي وجعلت حاجباي المقطبان يلتصقان حتى اصبحا قطعة واحدة،
- "اجلس هنا، افسحو المجال انت وهو.." قالت تلك الكلمات ضاحكة وهي تشير الي جانب السرير، تململت قليلاً، لكن رغبة في داخلي جعلتني انصاع لكلامها، حاولت الخروج من حالة الاستغراب تلك، فسـألتها عن ابيها، ضحكت ثانية وكانت ضحكتها اكثر علواً من المرة السابقة وقالت "سيعود بعد قليل، انت تعرف انه كثير الاشغال كعادته"،
"حسنا، سأنتظره في غرفة الاستقبال اذا،لا اريد ان اقطع عليك جلستكم!!!!.. "
قلت كلماتي هذه وخرجت من الغرفة متجهاً نحو غرفة الاستقبال، وكان منظر الكراسي الفارغة يثير الارتياح لدي في تلك اللحظة!! جلست هناك، ولحقت بي، جلست واخرجت علبة السجائر وعرضت علي سيجارة ولكني رفضت لأني لا ادخن، عادت للضحك من جديد وقالت بلهجة ساخرة "لاتدخن ولم تشرب في السهرة الماضية، ليش عيشتك، من اجل ماذا تعيش؟؟"، ابتسمت ولم ارد على سخريتها، فليس عندي رد على كل ما جري في هذا البيت من لحظة طرقت فيها الباب، كانت قد بدأت تدخن سيجارتها وانا أنظر إليها دون ان اخفي نظراتي، ويمكن ان اقول اني كنت احدق في تلك الفتاة وما يزال حاجباي مقطبان ولم تكن تبالي بنظراتي، سحبت نفساً طويلا من سيجارتها وكأنها تستجمع قواها للكلام الذي لم يكن يخرج معها بسهولة فأستبدلته بضحكة صغيرة، فأعدت السؤال عن ابيها، فضحكت من جديد
- "وهل انت هنا من اجله؟" سؤالها هذا جعل الجو في الغرفة اكثر ضبابية مما جعلة دخان سيجارتها المنتشر حولنا،
-"وما رأيك انت؟" أعدت عليها السؤال بسؤال اخر!!!
-كنت اظن انك هنا من اجلي؟
-لم افهم ما تعنين؟
-ألا تعتقد اني فتاة جميلة؟
-بالتأكيد، جمالك لا يختلف عليه اثنان!
-ألست مثيرة!
-هذا لايعنيني!!!
-ولكن هذا يعني اني مثيرة؟


كان الحديث قد وصل لحيث لم يعد بإمكاني المتابعة بهدوء، كان لا بد من ان اضع حداً لهذا النقاش الذي بدأ دون سابق إنذار، ما الذي يجري في عقل هذه الفتاة، ما الذي افعله انا هنا الان، كانت اسئلة كثيرة كالعادة تطن في رأسي، حاولت ان اعيد الامور لنصابها،
-" اسمعي الان، انا مجرد صديق وانا هنا لأني اردت رؤية والدك ولا أعرف لما تسلكين هذا السلوك معي، هل هناك اي خطأ أرتكبته حتى بدا اني افكر بما تقولين؟؟؟"
-"نعم!! أخطأت لأنك مخيب للأمال.. " قالت كلماتها الساخرة هذه وانطلقت من جديد في ضحكة عالية

لا أدري لما غرقت في رواية كل هذه التفاصيل التي لم تزل مرسومة بذاكرتي كنقش في الحجر، لم تزل في ذاكرتي ضحكتها ولم تزل سيجارتها مشتعلة وأرى الدخان المتطاير في ذاكرتي، متعبة هي هذه الذكريات، احاول ان اذكرها دون ان اتركها تحرك مشاعري، ولكن عبثية المشاعر التي تتحرك مع الذكريات لامجال للسيطرة عليها، أه، من الألم والحزن فهو يختزن في الذاكرة ويمكن له ان يعود دوماً كأنه وليد اللحظة وابن الحاضر.
فرح!! في ذلك اليوم بكت بطريقة لم أعهدها منها حتى في ايام طفولتها، كنت لا أزال اجلس في مكاني اراقبها، حين انطلقت في نوبة بكاء لم تتوقف عنها لحين خروج أصدقائها من الغرفة ليستطلعوا ما حدث فأنفجرت بوجهم صارخة " اخرجو كلكم، اخرجو من هنا" واستمرت بالصراخ "أخرجو جميعا من هنا، لا اريد رؤية أحد!!!" وكلما حاول احدهم التقرب منها، كانت تزداد حدة وصراخاً، كان خروجهم هو الشيء الوحيد الذي فعلوه في النهاية، اغلقو الباب خلفهم وخرجو، فعادت تنظر إلي متسائلة
- "وانت، لما بقيت، لما لم تخرج معهم؟؟؟"
- "لأني انتظر ابو فرح، ألم يقترب موعد عودته ألى البيت؟؟"

لم ينتهي ذلك اليوم، بسهولة، عاد ابو فرح اخيراً، وجلسنا معاً واختفت فرح في غرفتها، تحدثنا عن كل شيء من الماضي، كل شيء ما عدا فرح، لم يتكلم الاب عن ابنته ابداً، اكتفى بالأشارة لسروره عندما علم منها بلقائي مصادفة، وعبر عن امله بلقائي.

كنت في اخر الزيارة احلم ان يكون ما جرى مجرد حلم، لم احب تلك الصورة التي ظهرت فيها فرح، كنت لا أحمل لها في ذاكرتي سوى صورة الطفلة الشقية ولا أعرف بعد هذه الزيارة اي صورة يجب ان تحل محل الصورة القديمة، كنت مشوشا كثيرا، ولم اهتدي إلى جواب!!!

هل مازال لديكم المزيد من الاسئلة، أعرف ذلك ، انتظرو وسأكمل الحكاية لكم ، لكني الان لا أملك المزيد من الوقت

يتبع ........

Monday, September 19, 2005

النشوة - شعر حمدة خميس


حين تقرأ شعرها تقول اي انسانة وراء هذا الشعر و حين تلتقيها تقول اي شاعرة تسكن هذه الانسانة
إنها الشاعرة
حمدة خميس

لمن لايعرفها هذا بعض من شعرها


النشوة



ربما تغفو قليلا وهنيئا ..
ربما
ربما تذهب في النوم عميقا
وعميقا..
ربما
غير ان الجسد الذي
خاتلته وهنا
في غفلة الضوء
الجسد الذي لاغيته
في رعشة الوهج
الجسد الذي جالدته
في لذة الرهج
لم يزل يستشرف النشوة
إذ تعبر
والهمسة إذ تخفت
والصمت الذي أيقظه
الصمت
والموت الذي يولد
في اللحظة..
في غيبوبة الوصل






لم يزل يرشف مذهولا
ما تبقى
من ثمال الرشفة الاولى
في كأس الجسد!

*********

Sunday, September 18, 2005

قصة حزينة عن فرح

هذه القصة قديمة لكني أحببت ان احفظها هنا :)
---------------------------

منذ الصباح و أنا أدندن بأغنية مارسيل خليفة "سأغني، سأغني للفرح" ..ولكن عن أي فرح سأغني، لا أدري، فأنا حتى لم أتكلم عن الفرح منذ فترة طويلة وكأنه غير موجود، ولكن مع ذلك لا أدري لما لاتفارق شفتاي كلمات هذه الأغنية طوال هذا النهار،
ولكن لما لا أغتنم الفرصة وأحدثكم عن فرح!! طبعا سأحدثكم فقط، فأنا لا أجيد الغناء !!
لم تتسائلون لماذا أود أن أحدثكم عن فرح؟ أسمعو القصة وبعدها ستعرفون لما أردت أن أخبركم بها!!!
أرجو أن أكون قد أثرت فضولكم ولو قليلاً لسماع القصة !!
و لكن من أين تحبون أن أبدأ القصة، من نهايتها وأعود للوراء سارداً الأحداث، أم أبدأ من بداية معرفتي بها، حسناً، دعوني أختر لكم تسلسل الزمن، فأنا أعرف كيف أسرد الأحداث لكم دون أن تملو سماعي،
ولكن أنتظرو نسيت أن أقول لكم : أبعدو الأطفال، لأني قد أروي أحداث لا أرى أن تروى أمامهم، لماذا؟؟، أتعتقدون أني أقول ذلك لأزيد من من إثارة الموضوع، لا، صدقوني، لست أنا من يتبع أسلوب التسويق الرخيص هذا،

حسنا ً، أسمعوا، سأبدأ الأن، فـأنا أيضاً ليس لدي الوقت الكافي هذا اليوم للكثير من المقدمات رغم أهميتها وهذا من حسن حظكم،
فرح، من هي فرح، دعوني أسألكم في البداية أتعتقدون بما يقال عن تأثير الأسماء على شخصية حامليها؟ فأنا لا أخفيكم هذا ما أعتقدته عندما رأيتها أول مرة، كانت طفلة جميلة في العاشرة من عمرها، طفلة؟؟ نعم طفلة!! لم تستغربون أن يكون كل هذا الحديث عن طفلة، نعم كانت طفلة عندما ألتقيتها أول مرة ولا تزال طفلة رغم مرور أثنتي عشرة سنة أخرى منذ ذاك اللقاء،
أرجوكم لاتقاطعوني كثيرا، فالقصة مليئة بالأحداث الغريبة ولا داعي لمقاطعتي مع ذكر كل تلك الأحداث،
حسنا لنعد الى قصتنا ـ ففي ذلك اليوم لم أستطع أن أعبر عن إنزعاجي من تلك الطفلة الشقية، وصوت أبوها لم يزل يطن في إذني وكأنه في هذه اللحظة، يوم كامل من الصراخ : " أبتعدي من هنا يافرح"، " دعينا نعمل يافرح"، " لقد ضيعت لنا كل الأوراق يافرح"، " فرح!! لا تصعدي على الكرسي "، " فرح ـ لما تجلسين تحت الطاولة" ... أتريدون أن أكمل لكم معلقة الصراخ التي لم تنتهي حتى نامت فرح في تلك الليلة،
أعتقد أنكم قد أصبحتم تعرفون عن أية طفلة شقية أتحدث!!!ولكن ألا تريدون أن تعرفوا لما كنت في منزلهم ذلك اليوم ؟ لا ليسو من أقربائي، ولكني كنت أعمل مع والدها على إنهاء سيناريو مسلسل تلفزيوني، فهو كاتب ومخرج تلفزيوني، وأنا كنت أعمل معه على السيناريو وأعد من أجل عمليات المونتاج التي ستتم بعد التصوير!! لا تسألوني عن ذلك المسلسل الآن،فكل ما أذكره أن فرح كانت قد قضت على تسلسل الأفكار في ذلك السيناريو، ولم يتم تصويره فيما بعد !!! فوالدها لم يكن لديه الخيار بالعمل خارج البيت لأن زوجته التي تركته كانت قد أخذت منه المكتب الخاص به كبدل عن حقوقها!! ولكنها تركت له طفلتهما الوحيدة،
نعم، لقد تركتها وغادرت، لقد قلت لكم أنه هناك الكثير من الأحداث، وليس الطلاق وتخلي الأم عن طفلتها سوى بداية الأحداث في حياتها،

هل بدأت فرح تثير شفقتكم؟، نعم أعرف ذلك!! فرغم أنها كانت طفلة شقية ومدللة جداً، لكن لم أشعر سوى بالحزن والشفقة عليها، ولكني لا أخفيكم أنني طوال تلك الأشهر التي ترددت فيها على منزلهم لم يخطر لي أن أسأل نفسي عن شعور تلك الطفلة تجاهي، لم أكن أعتقد أن هذا بالأمر المهم في ذلك الحين، ولكنها أخبرتني فيما بعد: أنها كانت تكره وجودي في منزلهم كل تلك الساعات لأني كنت أخذ منها والدها الذي لا تملك غيره في الدنيا وكذلك كنا نحد من حركتها في المنزل كي ننجر أعمالنا،
متى أخبرتني بذلك، حسنا لا تستعجلوا الأحداث، سأخبركم متى، كان ذلك عندما ألتقيتها بعد عدة سنوات ربما عشرة سنوات أو أكثر بقليل،
لا تعودوا، لللإستغراب، ففي ذلك اليوم الذي ألتقيتها في منزل أحد أصدقائي، لم أتعرف عليها في البداية رغم أنها بدت مألوفة لديّ، بينما أستطاعت هي من معرفتني مباشرة !! وسرعان ما بادرتني بالسؤال عن أخباري وعن أعمالي،
ولكنها أدركت من الدهشة والاستغراب الباديين على وجهي أني لم أتعرف عليها، فصرخت بي : " معقول نسيتني؟ أنا فرح بنت أبو فرح!!!"، ولم أستطع في تلك اللحظة أن أمنع ضحكتي العالية من التوقف، "فرح، نعم، تذكرتك، ياالله كم كبرت يافرح!!! ولكن ما الذي تفعلينه هنا ؟ أنت صديقة حسام إذا"ً، "لاتستغرب يا حسام فأنا وفرح عشرة عمر"، قلتها وأنا أضحك بضحكة مجلجلة في كل أنحاء المنزل،
لن تصدقوا، كم كنت مذهولاً لمقابلتي فرح في تلك الليلة وقد كبرت، ولكنها بقيت فرح الطفلة الشقية، في تلك الليلة تحدثت فرح كثيراً، وقالت أشياء وأشياء لم تسكت طوال السهرة، كانت محور الحديث الذي أمتلئ شقاوة ومزاحاً،
أتعتقدون أن فرح لم تتغير، ربما أمكنكم قول ذلك، لولا نظرة الحزن التي كانت دائما في عينيها ولم تكن ضحكاتها تخفي تلك النظرة بل على العكس كانت تزيدها حزنها لمعانا،
لقد كانت سهرة طويلة في تلك الليلة لم يطلع فيها الفجر حتى كان الجميع في حالة من السكر لكثرة ما شربو من المشروبات، وبما أني لا أشرب، كنت الوحيد بينهم القادر على التحرك دون أن أسقط على الأرض،
وعندما قررت الذهاب، طلبت مني أن أوصلها الى المنزل في طريقي!! في تلك اللحظة فقط أندفعت في رأسي أسئلة كثيرة :فمالذي تفعله فتاة في العشرين من عمرها هنا وكيف يسمح لها والدها بالسهر حتى هذه الساعة المتأخرة، ثم ما الذي جمعها فتاة لوحدها مع هؤلاء الشباب الذين لم أعد أذكر عددهم، حتى أني لم أنتبه في البداية لفارق العمر الذي كان بينها وبينهم ـ فأصغرهم كان يكبرها بعشرة سنين على الأقل؟؟؟
لماذا يحصل كل هذه معها ؟ أعترف بأني كنت مشوشا برؤيتها تلك الليلة، لدرجة أني لم أمارس هوايتي المعتادة في تحليل الأشخاص وتصرفاتهم .
ولكني أذكر أن تلك الليلة أنتهت بنا في ذلك الطريق الهابط بشدة في أعالي حارات ركن الدين، كانت تترنح من شدة ما شربت وكان عليّ أن أساعدها في نزول الشارع الذي كان على شكل درج سيء التصميم،
لا أدري كيف أصف لكم شعوري حين أمسكت يدها الباردة لأساعدها فأنتشرت رعشة البرد في جسدي ورغم كل ذلك الدفء الذي كان يضخه جسدها الذي أستندت به علي لكي لا تقع في وسط الطريق !!
لا أدري كيف أوصلتها وهي في هذه الحالة الى البيت، ولكن ما إن وصلنا حتى بدأت بنداء أبيها، كانت تريد إيقاظه ليراني!!!!، ولكني شعرت بالخجل!! فكيف أقابله بعد كل هذه السنين وأنا أوصل أبنته السكرانة قرابة الفجر الى المنزل !!

لم أعرف حينها، كيف ودعتها وركضت هاربا قبل أن يستيقظ الاب من نومه، وأخذت أجري في الشارع،


لا بد أن أعترف لكم أني بدأت أستغرب، لأنني كنت أود أن أتحدث عن الفرح ولم أكن أعلم أن أحداث القصة ستسير بهذا الشكل!!!
و لا أعتقد أني سأكملها لكم لأنها أكثر مأساوية مما تتوقعون، لا، أنا لا أثير فضولكم ثانية ـ كل ما أريده الأن هوالخروج من هذه الحالة الحزينة التي بدأت تراودني ـ
أرجوكم أسمحوا لي بالمغادرة، إنسوا كل ما قلته لكم، ليس هناك من فرح في حياتي ـ ليس هناك سوى الأحزان، لا تنتظرو مني أن أقص عليكم الفرح في حين أني لا أملكه،

أعذروني!!!!
يتــــــبع......

Friday, September 16, 2005

طوبى لمن أختار الحياة

لم استطع ان أنام البارحة قبل ان أنهي قراءة الجزء الثاني من رواية امين معلوف "بدايات" ذلك الجزء المعنون بإسم استنارات،
عن اية استنارات تحدث الكاتب في هذا الجزء الذي تجري اجزائه في بدايات القرن الماضي، بداية الحركات التنويرية و التحريرية في الشرق، لا أرغب بالحديث عن تلك التفاصيل لكن اريد أن أسجل بعض ما استطاع الكاتب ان يقوله من خلال سرده لتلك الفترة،
حيث يؤكد امين معلوف ان الحركات التنويرية و التجديدية لا يمكن ان تأتي عن طريق الأنغلاق والأنكفاء ، بل على العكس، فإن تجاوز الانتماءات الضيقة هو النهج الاسمى والأسخى للخروج من الطريق المسدود، وكان لابد من سلوك هذا النهج الذي سمح بتشكيل ذلك الجيل الذي قاد الحركة التنويرية في الشرق.

"إن ما أنقذ روح الساباتيين(1) ، بنظري على الأقل، هو بالدرجة الأولى الذهنية التي وروثوها عن مؤسسهم، فقد تعرض ساباتاي للسخرية والتهكم لأنه فضل حياته على إيمانه، و بعد التفكير بالأمر ملياً وبهدوء، ليس بوسعنا أن ندين موقفه إدانة تامة: فهدف العقائد خدمة الأنسان، وليس العكس، وبالطبع، ليس بوسعنا سوى احترام الذين يضحون بحياتهم لبلوغ مثال أعلى، إلا انه لا بد من الأعتراف كذلك بأن الكثيرين ضحو بحياتهم على مر التاريخ لأسباب خاطئة، فطوبى لمن اختار الحياة! وطوبى لغريزة ساباتاي البشرية!"

و هو يختصر بشكل بليغ و دقيق لنا كيف انه كثيرا ما أعتبرت القومية هي الشكل المتشدد للوطنية، و لكن هذا لم يكن واقعيا في تلك الفترة و لن يكون في أي وقت اخر، إذ كانت القومية بالتحديد هي نقيض الوطنية... وإن الشرق البائس القائم اليوم هو وليد الأحلام المشتركة للقوميين و الوطنيين الذين نشأوا في تلك الفترة..

ويصل امين معلوف إلى قمة البحث عندما يصور الحالة التي نشأت عن ظهور الحركات التنويرية وفشلها في معالجة موضوع الأقليات في الشرق:
"فجوهر الأمور ليس في تحديد حق الاقليات ، فحالما تعرض الأمور على هذا النحو ، يتدخل المنطق الخسيس للتسامح، أي الحماية المتعجرفة التي يمنحها المنتصرون للمهزومين، كان بطرس لا يريد ان يعامل بتسامح، وأنا حفيده، لا أريد ذلك بدوري،بل أطالب بالأعتراف الكامل بحقوقي كمواطن، دون أضطراري للتنكر للانتماءات المؤتمن عليها، وهذا حقي غير القابل للانتهاك، والمجتمعات التي تحرمني منه اشيح بوجهي عنها بكبر وعلياء."

و يخلص إلى نتيجة أنه "غالبا ما يخطئ التاريخ، ولكن جبننا البشري يقودنا إلى تعليل أسباب صحة أحكامه، وحتمية أحداثه، وضرورة فناء أحلامنا السامية، بأسلوب لا يخلو من التبجح والأدعاء"

و في النهاية ورغم اهمية ما يرويه لنا أمين معلوف يصرح " أنا الذي أتيت متأخراً للغاية لا استحق أي تقدير على تأكيد كل ذلك، فالتاريخ أظهر لي الكثير من الأحداث المعبرة!"

وأستطيع القول أن أمين معلوف استطاع ان يقدم في هذا الجزء من الرواية قراءة مميزة للتاريخ تظهر لنا صورة الحاضر و تستشرف المستقبل القادم، فأمين معلوف صحفي قارئ لأحداث التاريخ بعين المحلل و الباحث و المؤرخ ,وفي النهاية هو روائي رائع..


----------------------
(1) الساباتيين: هم ابناء الطائفة التي اتبعت ساباتاي ، الطائفة التي وجدت في سالونيكا، حيث انطلقت اول حركات العصيان في الامبراطورية العثمانية و حيث ترعرع و تعلم كمال اتاتورك.

Wednesday, September 14, 2005

الحب في مجتمع ميت

ملاحظة مهمة قبل قراءة مايتبعها :

ما نشرته هنا هو رسالة خاصة كنت قد ارسلتها قبل عامين لأحدى أعز صديقاتي ولا اعتقد انها ستمانع من نشرها هنا، و لقد نشرتها اليوم لأنه صادف اني كنت اتحدث عن هذا الموضوع القديم الذي مرً وانتهى من حياتي ووعدت بأن أقصه ولهذا سأقوم بنشره وأعتقد ان نشره هو حل جيد للحفاظ عليه كذكرى من ذكرياتي مع هذا المجتمع الذي لا يعرف معنى الحب ، ولن يعرفه يوما ما،

ولو اردت ان اضع لهذه الرسالة عنواناً الأن ربما سيكون: حب من الماضي!!
لأنه لا أخفيكم ان قصة الحب التي وردت في هذه الرسالة قد قتلها هذا المجتمع كما قتل الاشياء الجميلة الاخرى في داخله، ولم يبقي إلا على الجهل و الطغيان عنواناً له!!




صديقتي ....
الساعة الآن حوالي الثالثة والنصف بعد منتصف الليل وأنا لا أشعر برغبة في النوم و لذا قررت أن أرسل لكِ القصة التي وعدتك و أتمنى أن لا أكون مزعجاً في رواية هذه القصة ...... و كالعادة أنا لا يمكن أن اروي القصص باللغة الإنكليزية لذا أرجو منك تحمل اللغة العربية معي لبعض الوقت .... و في الوقت نفسه أرجوا منك تحمل قصتي التي ستكون خالية من كثير من التفاصيل الضرورية و التي لن أستطيع أن احكيها الآن .... لقد كان هذا اليوم منذ بدايته مليئاً بالعمل الشاق وكما تعرفين أنا أعمل في مجال البرمجة و البرمجيات و هذا يعني العمل الفكري البحت .... المبرمجون يعتمدون كلياً على التفكير ... ليس هناك من أعمال عضلية أو أية أعمال أخرى ... فقط نحن نفكر و من ثم نحول الأفكار إلى خوارزميات و برمجيات .... لماذا أتكلم عن عملي ... فقط لأشرح أن رأسمال المبرمج هو عقله و تفكيره ويجب عليه أن يحافظ عليه كما يحافظ عازف البيانو عل أصابعه .... ومع ذلك كل الذين يعرفوني يعلمون أن عقلي مشتت دوماً بكثير من القصص والأحداث و المشاكل و هم يستغربون كيف أستطيع أن أمارس عملي بكل هذه المهارة مع وجود كل هذه المشاكل في حياتي..... ومن هنا تبدأ قصتي اليوم ... فقد اتصلت صديقتي (التي أحبها ولكني توقفت عن تسميتها حبيبتي منذ فترة طويلة وهذا ما سأتحدث عنه في سياق القصة) بي منذ الصباح قبل أن أغادر المنزل وكانت متضايقة من شيء ما ولكنها لم تخبرني ما هو و كان اتصالها قصيراً جداً فقط قالت أنها أرادت أن تسمع صوتي و ودعتني ... و عندما وصلت إلى العمل أردت إن أتابع ما كنت بدأته البارحة لكن عقلي كان مشوشاً و رأسي مليء بالأفكار المختلفة و لم أستطع أن أعمل أبداً رغم أنني حاولت أن انظم أفكاري و لكني فشلت في ذلك ... وهذا ما جعلني حاد المزاج ... و بما أنني لا أستطيع الاتصال بها ( لأسباب تافهة وغبية كما أعتقد) لكي أطمئن عليها زاد ذلك من حدة مزاجي و عصبيتي ... ساعتين و أنا على هذه الحالة .. ولما عادت واتصلت بي ثانية ما كان مني إلا أن انفجرت كالبركان .... وقلت لها أن كل ما يجري هو غباء في غباء و أن كل ما تفعله يدمر حياتها و حياتي معها ... و قلت لها إننا يجب أن نخرج من كل هذا الغباء المسيطر على حياتنا وأنه يجب أن يكون هناك حل ما... وكعادتها بدأت في البكاء و كعادتي حاولت التخفيف من حدة كلامي ... و أنهينا المكالمة.... و هذا ما جعلني مستاءً جداً وزاد من صعوبة التركيز على العمل الذي كان علي أن أنجزه اليوم وهو ما جعل العمل شاقاً جداً و جعل من يومي طويلاً لا ينتهي ورغم أن أصدقائي دعوني إلى الذهاب معهم إلى أحدى المطاعم لكني فضلت العودة إلى البيت... وما أن عدت إلى البيت حتى غططت في نوم عميق حوالي ثلاث ساعات .. استيقظت بعدها وأنا أشعر بشعور كئيب بالوحدة و القرف كما يمكن تسميته... .... .... ... أنا أعلم أنك تقولين في نفسك الآن أليست هذه القصة مثل قصص الأولاد الصغار و المراهقين .. وأنا أوافقك الرأي تماماً, هذا هو ما يزعجني ويزيد من حدة مزاجي من الموضوع كله أنه كله قصص أولاد صغار و تخلف و جهل و هبل و تفاهة و مع ذلك لا أستطيع أن أوقف هذه القصة من حياتي ....... ..... .... ..... .... .... أعلم أنه لا بد الآن من بعض التوضيحات حول قصة الحب الوحيدة في حياتي و التي تحولت إلى مسلسل سوري ممل كل حلقاته مكررة وخالية من أي جديد و مع ذلك لا ينتهي هذا المسلسل أبدً وأن انتهى يبدأ مسلسل أخر لنكتشف أنه استمرار للمسلسل السابق مع بعض الديكورات المختلفة لكن لا شيء جديد ( أنا أكره المسلسلات السورية لأنها تشبه كثيراً واقعنا الممل و المكرر بدون هدف أو جدوى) ... ومع هذا تبدأ قصتي قبل عشرة أعوام وأنا كنت في ذلك الوقت أعمل على مشروع لصالح أحدى مؤسسات الدولة و كنت كلما استخدمت الهاتف للاتصال بأحد العاملين في تلك المؤسسة , كانت ترد علي عاملة المقسم و هي ذات صوت جميل (من النوع الذي أحب من الأصوات) وأسلوبها في الحديث يلفت الانتباه وكنت أمزح معها وألاطفها دوماً... وهكذا استمرت الأحوال لعدة أشهر.. وفي يوم من الأيام بينما أنا أناقش بعض الأعمال في المؤسسة في إحدى المكاتب .. دخلت فتاة جميلة جدا كانت متوسطة الطول، رشيقة القوام ،بشرتها بيضاء ، و عيونها واسعة خضراء اللون و شعر خرنوبي قصير جداً وكانت ترتدي بنطال من الجينز بالمختصر جمال على الطريقة الغربية ...لقد كانت جملية بشكل لا يوصف و كذلك إحساسي في تلك اللحظة لا يوصف فقد أحسست بقلبي سيتوقف و بدأت أتنفس بصعوبة و لم أعد أعرف ماذا أقول كان شعوراً غريباً لم أعرفه من قبل ... في البداية ظننتها من المراجعين إلى المؤسسة ... ولكن لما تكررت مشاهدتي لها في المؤسسة وتكرر إحساسي الغريب ... وذلك ما دفعني للسؤال عنها ومن تكــون ... وكانت الصاعقة عندما أخبروني أنها هي نفسها الفتاة التي ألاطفها وأمازحها دوماُ لقد كانت عاملة المقسم .. وهذا ما زاد من فرحي لأنني لن أجد الصعوبة للتكلم معها .... وهكذا بدأت قصتي حبي مع هذه الفتاة التي لم تنتهي حتى الآن .... منذ البداية كان حبنا متبادلاً و كانت تحبني بقدر ما أحبها و لكنها كانت ترفض الاعتراف بحبها و تتهرب منه دوماً رغم أنها و منذ بداية علاقتنا لا تستطيع أن تعيش بدوني وأنا لا أستطيع أن أعيش دونها .. طبعاً لا بد أن المشكلة واضحة منذ البداية الموضوع كله مرتبط بالتخلف و التقاليد و الجهل في هذا المجتمع الموضوع كله مرتبط بالطائفية الموجودة في هذا المجتمع و التي يرفض الجميع التحدث عنها و يحاولون التستر عليها رغم أنها تسيطر على تفكيرهم و تصرفاتهم، و تحرمهم من أهم أسس الحياة البسيطة المتعلقة بالأمان و الاستقرار ... نعم كانت المشكلة طائفية و لكن ليس بالنسبة لي ... فأنا لا أنتمي إلى أي طائفة من الطوائف و لا أنتمي إلى أي دين من الأديان و هكذا كنت وما أزال ... و لكن مجتمعنا ً يقسم الناس رغماً عنهم إلى طوائف وخانات و مقامات ... أعتقد الآن إنني لا أحتاج إلى شرح الكثير من التفاصيل فقصة الطائفية معروفة جداً و ما أسوء الطائفية عندما يتعلق الموضوع بالزواج ..... ولكن المهم الآن هو ما الذي أستطيع أن افعله ... فخلال العشرة سنين لم أتردد في تقديم كل الدعم والحب و مع أني دخلت في خلاف كبير مع أهلي و عائلتي الذين يرفضون زواجي منها رفضاً قاطعاً و لكني لم أهتم لهم و مع أن كل من يعرفني قالوا لي "بدك تتجوز عاملة مقسم!!!" و مع أني أمضيت عشرة أعوام هي أهم عشرة أعوام من حياة الإنسان في حبها و دعمها و الوقوف إلى جانبها ... ورغم كل المنطق الذي أفكر به و كل المقدرات العقلية التي أتتمتع بها لكني لم أجد مخرجاً واحداً من هذا الموضوع والمشكلة دوماً أنني قادر على فعل ما أريد فأنا غير مهتم بالتقاليد و لا الطائفة و لا يوجد ما يمنعني من الاستمرار فيما أريد و لكن المشكلة كانت دوماً في عجزها هي عن اتخاذ أي خطوة مفيدة أو فعالة للخروج من هذه الحالة المأساوية التي نمر بها ... لقد فعلت المستحيل لإقناع أهلها وهو ما لم أفعله مع أهلي الذين وضعتهم تحت الأمر الواقع .. المأساة في الموضوع الآن أنني وبعد هذه السنين لا أستطيع أن أساعد هذه الفتاة التي تحبني ولكنها ترفض التخلي عن أهلها لأنها تحبهم هم أيضاً... وكلما أحاول الخروج من هذا الموضوع والابتعاد عنها تصبح كالمجنونة !!! ولا تتركني لكي أخرج من حياتها لأنها لا تستطيع الحياة بدوني ، خلال العشرة سنين رفضت كل من تقدم لخطبتها وأنا لم استطع إقامة أي علاقة مع أي فتاة أخرى ... ولقد قام أهلها بحرمانها من الخروج أو الذهاب إلى أحد حتى أقاربها أو صديقاتها ... هم يراقبونها ليل نهار و يحولون حياتها إلى جحيم لا يطاق و مع ذلك هي ترفض التخلي عنهم وتستمر في حبها لهم و خوفها على والدتها التي خضعت إلى عملية قلب وهي تخاف عليها كثيراً من هذه الضغوطات التي تعيشها و هي دوماً تقول أنها لن تسامح نفسها أبداً إذا ماتت أمها بسببها .... لا أعرف ماذا أقول أكثر من هذا أنا .... هي حالة دائمة من العجز الذي لا ينتهي .... أنا أعلم أن هذه القصة تتكرر كل يوم في هذا المجتمع المتخلف.. و لكنني أستغرب رغم كل التعليم والإمكانيات التي أمتلكها عدم مقدرتي للخروج من هذه الدوامة .....
صديقتي العزيزة... أعرف أن ما لديك من حديث حول الموضوع قد يكون مفيداً بالنسبة لي ( ليس لحل المشكلة التي لا حل لها ) و لكن ليعطيني الإحساس والأمل بأنه لم يزل هناك أناس في هذا المجتمع قادرين على التفاهم والتواصل مع الآخرين رغم كل التخلف والجهل والطائفية المقيمة فيه...... أرجو أن أسمع رأيك حول الموضوع ... صديقك المحب لكل الناس بدون تمييز ... خالد

غداء وأغتراب..

غداء وأغتراب..
صار نص النهار ومتل العادة أشتغل النق على الغدا، "شو جاي على بالك تتغدى" هيدا السؤال الاكثر انتشارا بهالوقت بين الموظفين في الشركة، كل واحد بيسأل التاني نفس السؤال، وكله بيكون حيران و مش عرفان شو بده يتغدى، يمكن لأنه الخيارات كتير محدودة ولهيك تكرار نفس الاكلات كتير بيسبب الملل منها،

ورغم أن الجوع اليوم ضارب اطنابه عندي، بس مش هيدا اللي شاغلي بالي، من مبارح وانا عم فكر بقضية الهجرة، طبعا مش عم مفكر اني هاجر، بس فكرة الهجرة بحد ذاتها فيها كتير جدل، وزاد من هالجدل الفصل الاول اللي انهيته من رواية امين معلوف "بدايات"

الهجرة ، كل جيل من الاجيال يمر بمرحلة يتواجه مع هذا السؤال " هل ابقى؟" "هل اهاجر؟"، ويتكرر السؤال عبر الاجيال ، هذا السؤال تأخر عندي كثيراً لحتى سألته لنفسي، وما يزال هذا السؤال عائماً عندي، بدون جواب، امضيت عمراً وانا اقول " إن أجمل الازهار تلك التي تنمو في الصحراء"، بالتأكيد أنا لا أعيش في الصحراء، ولكن مقارنة حضارية بين الغرب و ما نحن عليه، تعطيني احساس بالعطش لا يرويه كل الينابيع والانهار في بلدي، وأعلم ان هناك الان من يقول ، لا تحكم على سهولة او صعوبة الغربة قبل ان تجربها، جرب الغربة و حدثنا بعدها عن حنينك للوطن،

ألم اقل لكم انها قضية جدلية، مستمرة و ستستمر، ولكن لا ، ليس هناك مهرب من ثنائية الوطن و الغربة، الغربة القابعة خلف جدران الوطن، و الغربة الناجمة عن بعدنا عنه، غريب انت في الداخل ، و الغربة تنتظرك في الخارج، فكيف تبحث عن جواب لسؤال مثل " هل ابقى؟" "هل اهاجر؟"،
في زمن الغربة نحن، اغراب اكثر من الغربة ....

Monday, September 12, 2005

بدايات - لأمين معلوف

بدأت البارحة بقراءة كتاب امين معلوف الاخير "بدايات" وانطباعي الاول انه رائع كما هو في العادة :)

سأعود لأدون بعض ما جاء فيه و سأبدأ اليوم بما بدأ به كتابه

"غيري قد يتحدث عن "الجذور"... تلك ليست مفرداتي، فأنا لا أحب كلمة "جذور"، وأقله صورتها. فالجذور تتوارى في التربة، تتلوى في الوحل، تنمو في الظلمات؛ تبقي الشجرة أسيرة، منذ ولادتها، وتغذيها لقاء ابتزاز: "لو تحرّرت، تموتين!"...ـــــــــ











Sunday, September 11, 2005

حين تسيطر الهرمونات

أُثارتني كثيراً الطريقة التي يتم بها الوصول إلى المدونة، فبعد اسبوع من مراقبة الكيفية التي يتوصل بها الأشخاص الى العثور على هذه المدونة ، استطيع ان اصنفهم إلى ثلاثة انواع:

النوع الاول هو الاشخاص الذين يترددون على المدونة بشكل دوري و يملكون عنوانها، و هذا النوع هو اقل عددا من باقي الاشخاص ولا يتجاوز نسبته 10% ، ولا حظت ان معظمهم مصريون او لبنانيون.

النوع الثاني هو الاشخاص الذي يصلون إلى المدونة من خلال تصفحهم لمدونات اخرى او مواقع تحوي عنوان مدونتي ، اي عن طريق الصدفة ، و يشكلون مانسبته 30 بالمئة وهم غالبا ما يكونون من عرب مقيمين خارج الوطن العربي ، اوروبا او امريكا و قلة قليلة من شرق اسيا،

ونأتي الى النوع الثالث و الاخير وهو الذي اثار انتباهي اكثر من غيره و ذلك بسبب ارتفاع نسبته والتي تشكل حوالي 70 بالمئة وللطريقة التي يصل بها الى المدونة، وهي طريقة البحث في محرك البحث غوغل، طبعا لامشكلة في البحث عن طريق محرك البحث غوغل، ولكن المشكلة أن معظمهم يصلون الى المدونة من خلال البحث عن بعض الكلمات مثل "جنس"، " تفاحة"، "قصص واقعية عن الجنس"، "ملابس داخلية" وقائمة اخرى تطول وبما أن مدونتي تحوي بعض من هذه الكلمات فأنها تكون في نتيجة البحث الذي يجرونه وبالتالي يأتون إلى المدونة ليصابو بخيبة امل لأنها ليست كما كانو يتوقعون وحسب الكلمة التي قادتهم إليها، وبعد التدقيق في مصدر هذه المجموعة تبين انهم من الدول العربية الأخرى.


طيب، شو الخلاصة من هالكلام :)

ولا شي ، كل شي بقدر قوله انه لو حبيتو تنشهر المدونة تبعكم اكتر وأكتر ، بيكفي تحطو فيها شوية كلمات متل "جنس" أو "ملابس داخلية" .....

وهيك بتضمنو دخول ناس على مدونتكم ولكن الشهرة راح تكون عند ناس هرموناتهم هيّ المسيطرة عليهم،

Wednesday, September 07, 2005

حزن وحلم

حزين انا، هذا الصباح اكثر من اي يوم مر في هذه الشهور القليلة، حزين لأني لا أملك سوى كلمات الاسف والآسى على كل ما جرى ويجري، هل انا جزء من هذا الذي يجري، هل انا ملام لأني اعيش في هذا المكان المليء بالظلم الذي يصل لحد الموت البارد، كيف لي ان اقنع نفسي ان وجودي في هذا المكان لايجعلني جزء مما حدث، لا لن يهم اي تبرير فما جرى ليس بالقليل ،

كلنا مدانون، مدانون، نحن الذين أغمضنا عيوننا ، نحن الذين لم نرد ان نسمع الحقيقة من فم اصحابها، نحن الذين لم نرد ان نعرف، لم نرد ان نسمع، لم نرد ان نتكلم،

كان الصباح اقرب الى الفجر عندما استيقظت اليوم على حلم مزعج، رأيت فيه كاتيا حزينة واجمة تصرخ بوجهي، كان صوتها يقوى ويزداد قوة مع كل كلمة تقولها، كانت نبرتها أعلى مما هو صوتها عادة في الحقيقة ذلك الصوت الناعم الهادئ الذي ينطق بلغة عربية مكسرة تختلط بها الكلمات الفرنسية،

كاتيا ،سيمر الزمن، ولعله سيشفي الجراح، فلا تضعيني معهم في خانة واحدة، قد اكون من هذا المكان، لكني لست منهم، سيكون هناك زمن تعرفين فيه اني كنت مجرد طفل عاش ايام القصف في عام 82، طفل هاله ما فعلته القنابل والصواريخ في تلك المدينة، تاركة حطام و حفراً عميقة في الأرض و في نفسه حفرت حفراً اكبر من ان ينساها، سيكون هناك يوم يا كاتيا احكي لك فيه عن عودتي في عام 86 لتلك المدينة لأشارك بزراعة شجر الكرز في جبالها، و هناك في بيروت كان لي في عام 93 ايام رفضت ان احمل فيها سلاحاً، لأنك كنتِ و امك جزء مني كما كنتما جزء من بيروت، سيأتي يوم يا كاتيا ونعود لنسير معاً في شوارع تلك المدينة كما مشينا عندما كنا نعلمك المشي و مشيتي اول خطواتك على شوارعها، سيكون لنا يوم هناك نعود لنزور فيه قبر امك الذي لم تدفن فيه، لكنه يحمل اسمها، امك التي كانت تعشق بيروت حد الجنون، حد انها قررت ان لن تعود إليها قبل ان تعود بيروت الجملية الى سابق عهدها، في ذلك اليوم الذي ماتت فيه ، بكيت كما لم ا بكي من قبل، بكيت حتى جفت دموعي، بكيت لأنها ماتت هناك بعيدة و وحيدة ، بعيدة عن مدينتها، بعيدة عن اهلها، وحدك يا كاتيا كنتي معها، وحدك انت شاهدت غربتها التي كنتم وكنت انا جزء من عذابها، فلا تضعيني معهم في نفس الخانة ياكاتيا .................

Saturday, September 03, 2005

حديث مسنجري

some one says:
أنا بدي العالم كله على ذوقي ومزاجي
some one says:
بس واعية لهالشي من زمان
some one says:
ومن شان هيك مابيحسوا كتير الي حواليا بهالموضوع
some one says:
شو بيعمل الواحد بين رغبات مجنونة وحقيقة هو واعي ألها
IronMask says:
ايه ، وطبعا الدنيا مش هيك ، يعني صعب تكون على ذوق ومزاج كل واحد
IronMask says:
انا بحب الدنيا متل ما هي
some one says:
أيه عقبالي
some one says:
بس طبعا بما أني واعية لهالرغبات الهبلة ما بنساق وراها
some one says:
يعني والله أنا منيحة عمو
IronMask says:
:)
IronMask says:
شوفي، النفس البشرية من اعقد الاشياء بالحياة ، وما حدا قدر يفهمها
IronMask says:
شو هوي الصح وشو هوي الغلط ، ما حدا قدر يعرف ، كل شي نسبي ومرتبط بالوقت اللي صار فيه
IronMask says:
شو بدنا نكون وشو فينا نعمل موضوع مش سهل
some one says:
أها
IronMask says:
كتير صعب الواحد يكون شي و بده شي
some one says:
طبعا
IronMask says:
روح الانسان اكبر من قالب الجسد
some one says:
مش صعب لو عنده وعي بمحدودية قدراته وبجمال الي عنده فعلا
IronMask says:
واكبر من قالب المجتمع
IronMask says:
و اكبر من قالب الكرة الارضية نفسها
IronMask says:
بس الانسان الذكي هو الانسان اللي بيعرف يحرر روحه ويطلقها بطريقة يكون رضيان بالنتيجة عن اللي راح يعمله
some one says:
والي روحه مطلوقة متل رصاصة لحالها وهو راكض وراها بحبل ليلجمها. لا هي بتهدي ولا هو بيسمح لها تنطلق بعشوائية؟
IronMask says:
مش راح يرتاح شو ما عمل
some one says:
يعني يا أخي مش كان الغبا والنمطية أريح
IronMask says:
نو
IronMask says:
ابدا
IronMask says:
الروح الحرة اسمى ما في الوجود
IronMask says:
رغم كل شي
IronMask says:
الانسان ولد حر
IronMask says:
و راح يرجع حر بيوم من الايام

الفكر ، والنمطية ،قيود على الروح
some one says:
الفكر؟
IronMask says:
مافي حل للخروج منهم بشكل طبيعي
IronMask says:
ايه ، الفكر قيد
some one says:

الفكر بمعني الأيديلوجيا؟

IronMask says:
الانسان فقد حريته لما بدأيفكر و يحط حدود للعقل

some one says:
يا حلو يا حر يا مجنون
IronMask says:
ايه ، بنرجع لبداية حديثنا ، انا هاد الشخص ،
IronMask says:
اللي بيعتبر كل شي قيد
IronMask says:
بس منشان هيك كل شي في حوليه سور و مخبا
some one says:
يا ويلي على الي ورا السور

IronMask says:
لأنه الناس بتعتبر هاد جنان
IronMask says:
ما حدا بيفهم شو يعني حرية بهالشكل
some one says:

أنا بعتبره عين العقل
IronMask says:
ايه ، بس ماممكن تعيشي في دنيا لحالك مع كل اسف ، لازم الناس تعيش معك هالشي لحتى يكون له معنى
some one says:
أنا عارفة شو يعني حرية بس بدي أفهم شو يعني صياعة عندك؟ أنت كبرت فضولي كتير بهالموضوع
IronMask says:
صياعة ؟
IronMask says:
ايه ، صياعة
some one says:
أيه
IronMask says:
الصياعة من فعل صاع
IronMask says:
اي خرج عن المألوف ودار على حل شعره
some one says:
بس أنت بتقول بطلت وأنت ما بطلت تخرج عن المألوف؟
IronMask says:
يعني ، طفل بيكسر كل القيم العائلية ، وبيقرر انه يحرر نفسه ماديا لحتى يتحرر بقرارته التانية
some one says:
طفل جميل وذكي
IronMask says:
و من يومها بيصير انسان بدون قيود ،
IronMask says:
ما بيخلي شي يحكمه و لاممكن يرتبط بشي ممكن يحرمه صياعته
IronMask says:
ممكن يقرر يروح فدائي على حدود فلسطين لأنه رفيقه راح و استشهد هونيك
IronMask says:
ممكن يرجع يتراجع و يعتبر الموت غباء
some one says:
قلتلك أنه جميل
IronMask says:
ايه، هاد طفل صايع
IronMask says:
مش مهم شرب سيجارة ولا وسكي
some one says:
هو صياعته أرقى من هيك
some one says:
صياعته كانت حرية قراره
IronMask says:
ايه
IronMask says:
الصياعة انه الانسان يتخلى عن كل شي منشان يكون سعيد وحر
IronMask says:
سعادته فوق كل القيم
IronMask says:
ما بيكفي اشرب سيجارة لكون سعيد
IronMask says:
لأنه راح تخلص بعد شوي
IronMask says:
و بدي سيجارة تانية
IronMask says:
و السكرة بتروح بعد شوي و بدي سكرة تانية
some one says:
السكر أنا بحسه هروب العاجز من شان هيك عمري ما سكرت
بس بشرب وبحب الشرب
IronMask says:
كل انسان بيعرف شو يعني السعادة بالنسبة إله
IronMask says:
السعادة مفهوم نسبي
IronMask says:
نابليون كان سعيد لما بيحتل دول جديدة
IronMask says:
و نيرون كان سعيد لما احرق روما
some one says:
مرات الناس بتكون محتارة وبتختار الخيار الي راح يتعسها وبتكتشف هاشي متأخرة
IronMask says:
نابليون ما اختار قدره
IronMask says:
some one says:
لا تعليق
IronMask says:

IronMask says:
على كل بنرجع نكفي حديثنا غير يوم ، بس انا ناوي انشره بالمدونة
some one says:
أيه حلو كتير
some one says:
وانا ناوية أفتش على المدونة
IronMask says:

thisisthelifeiknow.blogspot.com

SMS من سويسرا

في الاسبوع الماضي اصدقائي طلعوا على سويسرا كم يوم ، وكل يوم بيجيني منهم رسائل على الموبايل بيخبروني فيها شو عم يعملو او وين صارو ، لنكون على اتصال على طول ونطمئن على بعض او يمكن لحتى يجاكروني :)
على كل انا مشتقلهم و مبسوط بالرسائل اللي عميرسلوها و عم انتظرها على طول و راح دونهم هون للذكرى


1-9-2005

HI it's me.
on our way to Lugano near Italy.
Everything's great!
How are you doing?

:)

1-9-2005

Back, at Zurich.
great day but extremely tired.
Crossed to Italy :)

2-9-2005

Let's say I just love shopping!
:)

3-9-2005

Bonjouno :)
we're on way to Fribourg to spend the day with ELias.
wheather is beautiful,
life is good!
Love Switzerland!
:)

Just boarded the train, going back to Zurich.
Had a lovely time.ate fondue
:)

4-9-2005
on our way to Bern and then Lusanne We're staying there 3 days,
I mean in the same hotel :-) but we will be going in those 3 days to Interlaken and Geneve :-)
you know me, can't stay in the same place for long :-)
How about you, No news?


Attending a Jazz festival in Bern :-)

Having dinner on the lake, opposite me is Evian in France.. Wow..
What a view!
Today is our 7th .....

5-9-2005

Bonjour!

I'm walking in Lusanne..

Getting to know the place:)

6-9-2005

I just woke up. It's 7:20 here.

we're going up to have breakfast and i'm not sure what next.

It rained all night.. Amazing!


In the Train, going to Interlaken.
I'm so sleepy but will not sleep :)


I've already consumed 2 memory cards: 256 Mb and 1 Gb :)

On the way back to Zurich.
I'm so fucking tierd.
ALready been on 2 Taxis. 4 Trains, and a horse today.
and i still have to change 1 more Train to get to the hotel