Tuesday, May 15, 2007

أنا وخطيبتي وسائق التاكسي في الزرقاء

يوم السبت الماضي كنت في مدينة الزرقا في الأردن، وبعد نهار طويل امضيته مع خطيبتي قررنا العودة للمنزل فأخذنا اول سيارة تاكسي وصعدنا إلى المقعد الخلفي وجسلنا إلى جانب بعضنا، نظر سائق التاكسي إلينا وطلب مني ان أخرج واجلس بجانبه في المقعد الامامي، لم أفهم ما يقصده في البداية، فأخبرته أني لم أفهم قصده، فعاد وطلب مني أن اترك الكرسي الخلفي وخطيبتي وأجلس بجانبه على الكرسي الامامي، طبعا عندما لاحظت ملامح المشيخة على هيئته فهمت مايقصد، فأجبته بأنه لا مناسبة تتطلب أن أجلس بجانبه وادع خطيبتي لوحدها في الكرسي الخلفي، وما كان مني انا وخطيبتي سوى مغادرة التاكسي مباشرة والبحث عن تاكسي أخر يقبل بنا وبطريقتنا في الجلوس بسيارة التاكسي، ليست المشكلة في ما طلبه مني سائق التاكسي، فهو يعتقد بأن من حقه أن يحدد لي أين أجلس أو كيف أجلس في سيارته، وأنا لم أناقشه بهذا، فمن حقي أن أغادر التاكسي وأبحث عن تاكسي أخر، لكن المشكلة ظهرت عندما وصلنا للمنزل وقصصنا على العائلة قصة سائق التاكسي، ومع أن الأغلبية وافقتنا الرأي فيما فعلنا ولكن البعض أعتبره تجاوزاً منا لأخلاق أهل مدينة الزرقا التي اعتادت أن يجلس الرجل في الكرسي الأمامي ويدعى بقية العائلة في الكرسي الخلفي، و أعتبر جلوسي إلى جانب خطبيتي في التاكسي تجاوز لأخلاق الخطبة نفسها، وهناك من قال أن من حق السائق أن يطلب هذا الطلب لأنه انسان وجلوسي في الخلف مع خطيبتي إهانة لأنسانيته، ودار نقاش مطول، حول أهلية سائق التاكسي في أن يعلم الناس الأخلاق، والدور الذي يحق أو لايحق له أن يلعبه، طبعا أنا أصريت على موقفي أن سائق التاكسي من واجبه قيادة السيارة وليس من حقه فرض أخلاقه الخاصة على الناس، فكل أنسان له أسلوبه وحياته طالما أنها لاتتعارض مع القانون الخاص بالبلد والأخلاق العامة للمجتمع،

أعلم أن هذه القضية هي قضية جد بسيطة أمام مشاكل اكثر تعقيدا في المجتمعات ولكنها تقودني للتفكير بقضية الأخلاق كمفهوم والأخلاق في هذا المجتمع كقضية قابلة للتدوال والنقاش والأختلاف على طول الوقت، ليس بسبب الأخلاق نفسها، لكن بسبب عدم وضع إطار واضح ومحدد لمفهوم الأخلاق، وإن وجدت في إطار ما، يكون هذا الاطار هو إطار ثابت غير خاضع للتطور مع الوقت وحركة التطور العامة، الأخلاق بالنسبة للبعض ثوابت غير قابلة للنقاش ولكن لنفترض ثبوت الأخلاق ومنطق عدم تغيرها في هذه الحالة من اين نستمد هذه الاخلاق الثابتة، من هو المشرع او المصدر الذي يقول ماهية الاخلاق لكي نتفق جميعاً على تلك الأخلاق الثابتة والمحددة، طبعا يستحيل ذلك، لأنه حتى المجتمعات التي تستمد قيمها وثوابتها من الأديان وهي الاكثر ثبوتا ورسوخاً بالنسبة لهم يواجهون مشكلة أختلاف الفقه والتشريع بين الجماعات والطوائف وحتى العشائر، كما يواجهون مشكلة الأختلاف مع الأديان الأخرى، بالتالي تنتفي ثبوتية الأخلاق لعدم مقدرتها على فرض نفسها كشكل ثابت ومحدد لكل الناس،
المجتمعات تختار أخلاقها وتعمل على حماية تلك الأخلاق، لكن على المجتمعات السماح بنقاش تلك الاخلاق والعمل على تطويرها لما يعطي الأخلاق معاني جديدة تكون قادرة على الحفاظ على المجتمع والحد من الإفرازات الناتجة عن القواعد الثابتة للأخلاق والتي لاتتطور بما يتناسب مع احتياجات الحياة، ولابد من انتهاء فكرة الوصاية المباشرة على الحفاظ على الأخلاق، وترك مهمة الحفاظ عليها لسيادة القانون والمختصون القادرين على تحديد أختلاف وأتفاق وتجاوزات الناس على الأخلاق، يجب أن تتوقف الناس عن أصدار الأحكام المباشرة كوصاة على القانون وعلى الاخلاق وترك الخبز لخبازه،

أذكر مرة كنا في منطقة خارج لندن ولم نجد موقف نركن السيارة عليه سوى أمام مدخل إحدى المستودعات، فأوقفنا السيارة لمدة قصيرة على أساس ان المستودع مغلق ولن يضير توقفنا أمامه، ولما عدنا وجدنا الشرطة قد ألصقت مخالفة على زجاج السيارة الأمامي لتوقفنا بذلك المكان، أستغربنا وقتها كيف علمت الشرطة بنا، وتوقعنا أن مرور الشرطة كان مجرد مصادفة، ولكن مع الأيام أكتشفت الطريقة التي علمت بها الشرطة مخالفتنا تلك، فلقد أكتشفت أن الكثير من الناس هناك يعملون على الاتصال بالشرطة حين مشاهدتهم لأي مخالفة للقوانين، رغم أن هذه المخالفات لاتمسهم بشكل مباشر، وتأتي الشرطة لتعاين المخالفة وتقرر ماذا تفعل،
مقارنة بسيطة بين ماحدث في لندن ومايجري في دمشق لو توقفت أمام أحد المستودعات، سيكون السيناريو كالتالي: في البداية سيخرج شخص من مكان ما ويصرخ بي كي لا أوقف سيارتي امام المستودع، فأرد عليه بأن لايتدخل فيما لايعنيه، فيطير عقله من رأسه ويتحول إلى وحش يريد الأنقضاض علي لأني أجبته بتلك الطريقة وأنا سأتحول للرد عليه وعلى غضبه بغضب أكبر لأثبت حقي بالتوقف أمام المستودع، قد تنتهي المشكلة بخناقة وقد تنتهي عند الشرطة وقد يتدخل الكثير من المارة ويحلونها بشكل ودي وتطييب خاطر الطرفين وتنتهي القصة بالتوقف أمام المستودع،ـ


2 comments:

dina said...

المشكلة الاكبر في هذا الموضوع ان سائق التاكسي صاحب الاخلاق العالية هو نفس السائق يلي""بتطلع عيونه ""لما بتمرق بنت جنبه0

Alaa said...

الحق معك بكل كلمة قلتها بخصوص انو الشوفير بدو يعلمك الاخلاق بس يمكن الشي طبيعي هب مراعاة العرف السائد و في بلادنا العرف السائد هو جلوس الزبون طبعا اذا كان ذكر بجانب السائق عل كل ماقصرت لما رفضت تطلع معو بكل الاحوال شوفيرية التكاسي آخر ناس يحق لها تعطينا دروس بالاخلاق