Sunday, August 07, 2005

قصة قبل النوم

صديقتي ... قبل أن أبدأ برواية هذه القصة أريد القول أن البعض يظنني أحكي القصص في أوقات تتناسب مع أشياء أريد أن أقولها و أن القصة أسهل لي من الحديث المباشر وأنا أعتقد أن هذا صحيح إلى حد ما و لكني أقول دوما إنني اروي القصة التي يجب أن أرويها في وقتها دون أن أبحث عن الدوافع ...
فما الفرق الذي كان من الممكن أن يكون لو أخبرتك عن قصة ابنتي الآن أو فيما سبق .. أعتقد أنني أرى عيناك مفتوحتان على أوسع ما يمكن لهما على كلمة "ابنتي" و ربما أنت تقولين كلمات غير واضحة الآن...
لا تندهشي يا صديقتي .... فلست الوحيدة التي فاجأتك هذه الكلمة ... فأنا عادة لا أخبر أحداً عنها و قلة جداً الذين يعلمون بوجودها و أنا أعتبرها جزء من ماضي انتهى من حياتي ولم يعد له وجود ...
قد تتعجبين ثانية من طريقة كلامي حول هذا الموضوع .. و لكن انتظري حتى تسمعي كامل القصة ومن ثم حاولي الحكم ثانية على كلامي هذا ..
في البداية سأخبرك عن كــاتيــا إنها تبلغ من العمر الآن حوالي 13 عاماً و هي تعيش مع زوج أمها في مدينة مونتريال في كندا و لا أستطيع أن أخبرك عنها أكثر من هذا لأنني لم أراها منذ كانت في الخامسة من عمرها تقريباً و لكني اعلم أنها فتاة جميلة تشبه أمها في جمالها و هي منذ كانت في سنوات عمرها الأولى كثيرة الشبه جداً بأمها في كل شيء و أنا أعتقد أنها ستشبهها في كل شيء في المستقبل ... فكل من يعرف مارينا ( "ماري آن" هو أسمها) لا بد أن يتأثر بها فكيف إذا كانت ابنتها من لحمها ودمها..فما كانت مارينا تتردد في فرض تأثيرها على من حولها بشتى السبل و قد كانت حتى وراء تغيير اسمي ، و لا أخفيك أنها لم تغير اسمي فقط لقد غيرت مارينا الكثير من الأشياء في حياتي ...
لقد كانت البداية حوالي عام 1989 عندما تعرفت على مجموعة من الشباب و كانت تلك الفتاة الجميلة المرحة و المنطلقة من بينهم .. كانت تجمعنا في البداية النشاطات الثقافية المتنوعة من معارض و حفلات غنائية وشعرية رحلات و كل ما له علاقة بالثقافة و التسلية و الرفاهية ، ولكن الشيء الذي جمعني معها فعلاً في تلك الفترة كان حبنا الغريب لموسيقى الجاز لقد كانت تعشق تلك الموسيقى وكنا نذهب معاً دوماً إلى حفلات الموسيقى التي تقام من فترة إلى أخرى ...
و بدأت تجمعنا صداقة قوية جداً من تلك الفترة ، لم يكن ما بيننا حباً و لم يكن في يوم من الأيام كنا أصدقاء لكن بشكل مختلف عما تعود الناس هنا أن يروه أو يفهموه ...
من هي مارينا!!! ...
مارينا فتاة من أب لبناني و أم سورية و هم يعتنقون الديانة المسيحية ، وبما أن الأب والأم كانوا في حالة انفصال .. فقد كانت مارينا تعيش مع أمها في منزل جدها هنا في دمشق أما الأب الذي كان قد نقل أعمال شركته في مجال التعهدات التجارية إلى قبرص بعد الحرب في لبنان ....
وقد كانت مارينا على علاقة مع ابن خالتها و كانت تريد الزواج منه لولا معارضة الأب الذي يريد لها أن تتزوج من شاب لبناني و ليس من سوري وخاصة من عائلة أمها!!!!! و يبدو أن هذا يفسر سبب شغفها بموسيقا البلوز الحزينة كما حياتها المفككة بين أبيها وأمها و سوريا و لبنان وأبن خالتها و ربما كانت شخصيتها المتفردة و القوية واحدة من أكبر المآسي في حياتها ...
كانت مارينا تفعل كل ما تريد و تقول كل ما تود و لا تسمح لأحد أن يتدخل في حياتها .... وكانت تخطط للعيش مع ابن خالتها بعيداً عن أهلها و مشاكلهم .. و هذه التصرفات جعلت من علاقتها بأهلها سيئة جداً و هو ما جعل أبن خالتها يبتعد عنها و كلما زادت العلاقة سوء مع أهلها كان يبتعد عنها أكثر فأكثر ... كان من الواضح أن ما يهمه منذ البداية هو شركة الأب وأمواله و ليس الفتاة و عندما أدرك أنه لن يستطيع الوصول إلى أموال الأب قرر التخلي عنها ومن ثم السفر إلى أرمينيا التي كانت تسير في طريق الانفصال عن الاتحاد السوفيتي و العمل هناك ....
وهنا تبدأ قصتي معها ...
لقد توقع الجميع أن الذي حصل مع هذه الفتاة سوف يكسر من شوكتها (كما يقال) و لكنها كانت قوية بشكل لا يصدق وتأكد لي ذلك عندما أخبرتني أنها حامل من ابن خالتها و أنها لا تريد التخلي عن الطفل لمجرد أن الأب هرب من المسؤولية و غادر دون حتى كلمة وداع ...
لقد كان حديثنا ذلك اليوم من أغرب الأحاديث التي جرت فيما بيننا و أنا لا أزال أذكره حتى هذه اللحظة ... قالت لي أنها حامل و أنها لا تريد التخلي عن الطفل مهما كانت الأسباب و لكنها لا تريد لطفلها أن يأتي إلى الدنيا بدون أب.. كنت أوافقها الرأي و لكني صعقت حين طلبت مني أن أكون ذلك الأب للطفل القادم و لو بشكل صوري .... في تلك اللحظة ضحكت كما لم أضحك في حياتي أحسست أنني أعيش قصة من قصص عالم الأحلام و حاولت كثيراً أن أتمالك نفسي عن الضحك ... قلت لها لا بد أنك تمزحين فأنا لست الشخص المناسب أبدا لا من ناحية الموضوع و لا من ناحية الدين و لا من ناحية العمر و لا من أي ناحية أخرى لا أستطيع فأنا لست من تبحثين عنه ....
قالت لي جهز نفسك في أسرع وقت وأنا رتبت كل الموضوع ... في تلك اللحظة فقط توقفت عن الضحك و المزح ... كانت قد جهزت لكل شيء و كأنها لم ترد حتى سؤالي عن موافقتي .... بالطبع كنا أصدقاء مقربين جدا لكن أن نتزوج ، فهذا ما لم يخطر على بالي أبدا...
لا أدري الآن إذا كانت التفاصيل مهمة بالنسبة لما تم و جرى و لكني أعتقد أن أهم ما في الموضوع أنني وضعت في فوهة المدفع أمام أبيها من طرف ومن أمها في طرف أخر و قامت الدنيا ولم تقعد .. وكل ما كانت تردده دوماً هو: أصمد قليلاً و سوف تتغير الأمور .. ولماذا أصمد ما كان لي ولهذه المشاكل كلها و الحمد الله أنني أخفيت الموضوع عن عائلتي تماماُ فلم يكن ينقصني المزيد من المشاكل ....
و لكن الغريب دوماً في الموضوع أن مارينا كانت تعرف ما تفعله و كانت تملك ثقة غريبة بنفسها و لم تكن تتردد في التصرف ...
و فعلاً سارت الأمور كما كانت تقول فبعد قدوم ابنتي!!! كاتيا إلى الحياة تغيرت الأمور مع أهلها و أنصلحت الأحوال معهم و بعد فترة قصيرة أستغل الأب وجودي و قرر أن يوكل إلينا مهمة إعادة تأهيل فرع الشركة في بيروت التي بدأت فيها عمليات إعادة البناء ... و هكذا تركت عملي في مجال البرمجة التي أتقنها و انتقلت لأعمل في مجال العلاقات التجارية والسمسرة في بيروت وهو عمل لا أجيده و لا يناسب طبيعتي و لكني كنت أتصرف كالواقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي ، هي تقول وأنا أنفذ ... و كلما كنت أعترض كانت تقول لي "و لا يهمك أنت خليك معي وما راح تخسر "، و بالفعل من الناحية المادية كانت المكاسب أكثر من الخيال بالنسبة لي ...
و لكني بدأت أصحو يوماً بعد يوم من الحلم الذي أعيشه ، فالعمل هناك كان يعتمد على الكثير من الأشياء التي كانت تثير اشمئزازي و قرفي و كنت بدأت أكره الاستمرار في ذلك العمل أما هي فقد ناسب العمل شخصيتها و طبيعتها و بدأت تزداد أعمالها و تصبح أكثر انشغالا و لم تعد تهتم بابنتها وأصبحت مهمة الاعتناء بالطفلة ملقاة على عاتقي كليلاً ...
و لما أخبرتها بذلك لم تتردد في القول: "بصراحة أنت صار لازم ترجع إلى الشام و يا ريت تأخذ كاتيا معك لأنني لا أستطيع أن اعتني بها كما تفعل أنت.." .. و بالفعل لم أتردد في العودة إلى دمشق و معي طفلتي التي كانت بدأت تكبر و تنطق بأولى كلماتها ..
وأحسست بأنني حر من جديد... عدت إلى أعمالي التي تعودت عليها رغم المال الوفير و الذي حاولت أن أبتعد عنه لأنني شعرت أن هذا المال ليس مالي و هي سرعان ما طلبت مني أن أخذ جزء منه كمصروف للطفلة و أحول لها ما تبقى و لكني حولته كله لها ...
و كنت قد وجدت مربية و هي امرأة عجوز لتجلس مع الطفلة لأنه لم يكن هناك من يستطيع الاعتناء بها طوال النهار و لكني كنت أزورها في المساء و أجلس معها لقد أحببت الطفلة الصغيرة كثيراً و هكذا عدت إلى حياتي العادية و كانت تلك الطفلة الصغيرة تزين حياتي و تبث فيها السعادة ...
بينما كانت علاقتي بمارينا تزداد سوءاً و لا أدري لما كانت تفعل ما تفعله ، أحياناً كنت أقول أنها تريد الانتقام من أبيها و أمها و أحياناً كنت أقول أنها تنتقم من أبن خالتها الذي تخلى عنها و هي حامل و أحياناً كنت أقول ما الذنب الذي اقترفته كاتيا الطفلة الصغيرة لكي تعيش مأساة أهلها كلها مجتمعة ....
كانت مارينا تخطط للسيطرة على فرع الشركة في بيروت و فصله بشكل كامل عن أبيها .... الذي أدرك مخططاتها ...... و لا أستطيع أن أروي ما جرى فأنا كنت بعيداً تماماً عن كل ذلك و كل همي كان إبعاد الطفلة الصغيرة عما يجري بينهم ...
و لكن مع الأيام خسرت مارينا الكثير من الأموال و الأعمال و دخلت في متاهات لم تكن تستطيع لوحدها الخروج منها وزادت خسائرها بعد أن أصبح أبوها هو خصمها الأول ...
و هكذا حتى جاءت الى دمشق في يوم من الأيام و قالت لي بطريقتها المعتادة : "قررت ترك كل شيء و البقاء مع ابنتي إلى جانبي هذه المرة " ... كان ما بيننا قد انتهى تماماً سوى ما كان يربطني بابنتي الصغيرة التي أحببتها كثيراً ولم أعد أستطيع العيش بدونها و لذلك كنا نلتقي بين الفترة و الأخرى وعدنا نذهب إلى حفلات الموسيقا ثانية و إلى المسارح و المطاعم ،
و استمرت الأحوال على هذا المنوال حتى جاء يوم قررت مارينا فيه الارتباط بشاب لبناني يعيش في كندا و سافرت معه وأخذت ابنتها معها و لا أريد أن أتحدث عما جرى بعد ذلك فليس لي علاقة به لا من قريب و لا من بعيد و لكن الشيء الوحيد الذي جرى بعد ذلك هو أنني أعلنت أسم الأب الحقيقي للطفلة كاتيا، وكشفت الموضوع من أوله لأنني أحسست أن من واجبي أن لا أخفي هذه الحقيقة و خاصة عن كاتيا نفسها......... ..

صديقتي... لا أدري إذا كانت الخطوط العامة التي رويتها لك دون ذكر التفاصيل كافية لفهم كل هذه الأشياء الغريبة التي حدثت في حياتي و لكني أردت أن أقول أن الدنيا تحمل من الغرائب لنا أكثر مما نتصور و ما علينا سوى أن نقبلها كما هي و لا نسعى إلى تفسيرها و تحليلها لأنها أغرب من أن نفهمها .... و الحياة ستستمر مهما حاولنا أن نفعل تجاهها ... صديقك سمير ( لا زلت أحمل هذا الاسم و أستخدمه كثيراً (...

No comments: