Wednesday, September 14, 2005

الحب في مجتمع ميت

ملاحظة مهمة قبل قراءة مايتبعها :

ما نشرته هنا هو رسالة خاصة كنت قد ارسلتها قبل عامين لأحدى أعز صديقاتي ولا اعتقد انها ستمانع من نشرها هنا، و لقد نشرتها اليوم لأنه صادف اني كنت اتحدث عن هذا الموضوع القديم الذي مرً وانتهى من حياتي ووعدت بأن أقصه ولهذا سأقوم بنشره وأعتقد ان نشره هو حل جيد للحفاظ عليه كذكرى من ذكرياتي مع هذا المجتمع الذي لا يعرف معنى الحب ، ولن يعرفه يوما ما،

ولو اردت ان اضع لهذه الرسالة عنواناً الأن ربما سيكون: حب من الماضي!!
لأنه لا أخفيكم ان قصة الحب التي وردت في هذه الرسالة قد قتلها هذا المجتمع كما قتل الاشياء الجميلة الاخرى في داخله، ولم يبقي إلا على الجهل و الطغيان عنواناً له!!




صديقتي ....
الساعة الآن حوالي الثالثة والنصف بعد منتصف الليل وأنا لا أشعر برغبة في النوم و لذا قررت أن أرسل لكِ القصة التي وعدتك و أتمنى أن لا أكون مزعجاً في رواية هذه القصة ...... و كالعادة أنا لا يمكن أن اروي القصص باللغة الإنكليزية لذا أرجو منك تحمل اللغة العربية معي لبعض الوقت .... و في الوقت نفسه أرجوا منك تحمل قصتي التي ستكون خالية من كثير من التفاصيل الضرورية و التي لن أستطيع أن احكيها الآن .... لقد كان هذا اليوم منذ بدايته مليئاً بالعمل الشاق وكما تعرفين أنا أعمل في مجال البرمجة و البرمجيات و هذا يعني العمل الفكري البحت .... المبرمجون يعتمدون كلياً على التفكير ... ليس هناك من أعمال عضلية أو أية أعمال أخرى ... فقط نحن نفكر و من ثم نحول الأفكار إلى خوارزميات و برمجيات .... لماذا أتكلم عن عملي ... فقط لأشرح أن رأسمال المبرمج هو عقله و تفكيره ويجب عليه أن يحافظ عليه كما يحافظ عازف البيانو عل أصابعه .... ومع ذلك كل الذين يعرفوني يعلمون أن عقلي مشتت دوماً بكثير من القصص والأحداث و المشاكل و هم يستغربون كيف أستطيع أن أمارس عملي بكل هذه المهارة مع وجود كل هذه المشاكل في حياتي..... ومن هنا تبدأ قصتي اليوم ... فقد اتصلت صديقتي (التي أحبها ولكني توقفت عن تسميتها حبيبتي منذ فترة طويلة وهذا ما سأتحدث عنه في سياق القصة) بي منذ الصباح قبل أن أغادر المنزل وكانت متضايقة من شيء ما ولكنها لم تخبرني ما هو و كان اتصالها قصيراً جداً فقط قالت أنها أرادت أن تسمع صوتي و ودعتني ... و عندما وصلت إلى العمل أردت إن أتابع ما كنت بدأته البارحة لكن عقلي كان مشوشاً و رأسي مليء بالأفكار المختلفة و لم أستطع أن أعمل أبداً رغم أنني حاولت أن انظم أفكاري و لكني فشلت في ذلك ... وهذا ما جعلني حاد المزاج ... و بما أنني لا أستطيع الاتصال بها ( لأسباب تافهة وغبية كما أعتقد) لكي أطمئن عليها زاد ذلك من حدة مزاجي و عصبيتي ... ساعتين و أنا على هذه الحالة .. ولما عادت واتصلت بي ثانية ما كان مني إلا أن انفجرت كالبركان .... وقلت لها أن كل ما يجري هو غباء في غباء و أن كل ما تفعله يدمر حياتها و حياتي معها ... و قلت لها إننا يجب أن نخرج من كل هذا الغباء المسيطر على حياتنا وأنه يجب أن يكون هناك حل ما... وكعادتها بدأت في البكاء و كعادتي حاولت التخفيف من حدة كلامي ... و أنهينا المكالمة.... و هذا ما جعلني مستاءً جداً وزاد من صعوبة التركيز على العمل الذي كان علي أن أنجزه اليوم وهو ما جعل العمل شاقاً جداً و جعل من يومي طويلاً لا ينتهي ورغم أن أصدقائي دعوني إلى الذهاب معهم إلى أحدى المطاعم لكني فضلت العودة إلى البيت... وما أن عدت إلى البيت حتى غططت في نوم عميق حوالي ثلاث ساعات .. استيقظت بعدها وأنا أشعر بشعور كئيب بالوحدة و القرف كما يمكن تسميته... .... .... ... أنا أعلم أنك تقولين في نفسك الآن أليست هذه القصة مثل قصص الأولاد الصغار و المراهقين .. وأنا أوافقك الرأي تماماً, هذا هو ما يزعجني ويزيد من حدة مزاجي من الموضوع كله أنه كله قصص أولاد صغار و تخلف و جهل و هبل و تفاهة و مع ذلك لا أستطيع أن أوقف هذه القصة من حياتي ....... ..... .... ..... .... .... أعلم أنه لا بد الآن من بعض التوضيحات حول قصة الحب الوحيدة في حياتي و التي تحولت إلى مسلسل سوري ممل كل حلقاته مكررة وخالية من أي جديد و مع ذلك لا ينتهي هذا المسلسل أبدً وأن انتهى يبدأ مسلسل أخر لنكتشف أنه استمرار للمسلسل السابق مع بعض الديكورات المختلفة لكن لا شيء جديد ( أنا أكره المسلسلات السورية لأنها تشبه كثيراً واقعنا الممل و المكرر بدون هدف أو جدوى) ... ومع هذا تبدأ قصتي قبل عشرة أعوام وأنا كنت في ذلك الوقت أعمل على مشروع لصالح أحدى مؤسسات الدولة و كنت كلما استخدمت الهاتف للاتصال بأحد العاملين في تلك المؤسسة , كانت ترد علي عاملة المقسم و هي ذات صوت جميل (من النوع الذي أحب من الأصوات) وأسلوبها في الحديث يلفت الانتباه وكنت أمزح معها وألاطفها دوماً... وهكذا استمرت الأحوال لعدة أشهر.. وفي يوم من الأيام بينما أنا أناقش بعض الأعمال في المؤسسة في إحدى المكاتب .. دخلت فتاة جميلة جدا كانت متوسطة الطول، رشيقة القوام ،بشرتها بيضاء ، و عيونها واسعة خضراء اللون و شعر خرنوبي قصير جداً وكانت ترتدي بنطال من الجينز بالمختصر جمال على الطريقة الغربية ...لقد كانت جملية بشكل لا يوصف و كذلك إحساسي في تلك اللحظة لا يوصف فقد أحسست بقلبي سيتوقف و بدأت أتنفس بصعوبة و لم أعد أعرف ماذا أقول كان شعوراً غريباً لم أعرفه من قبل ... في البداية ظننتها من المراجعين إلى المؤسسة ... ولكن لما تكررت مشاهدتي لها في المؤسسة وتكرر إحساسي الغريب ... وذلك ما دفعني للسؤال عنها ومن تكــون ... وكانت الصاعقة عندما أخبروني أنها هي نفسها الفتاة التي ألاطفها وأمازحها دوماُ لقد كانت عاملة المقسم .. وهذا ما زاد من فرحي لأنني لن أجد الصعوبة للتكلم معها .... وهكذا بدأت قصتي حبي مع هذه الفتاة التي لم تنتهي حتى الآن .... منذ البداية كان حبنا متبادلاً و كانت تحبني بقدر ما أحبها و لكنها كانت ترفض الاعتراف بحبها و تتهرب منه دوماً رغم أنها و منذ بداية علاقتنا لا تستطيع أن تعيش بدوني وأنا لا أستطيع أن أعيش دونها .. طبعاً لا بد أن المشكلة واضحة منذ البداية الموضوع كله مرتبط بالتخلف و التقاليد و الجهل في هذا المجتمع الموضوع كله مرتبط بالطائفية الموجودة في هذا المجتمع و التي يرفض الجميع التحدث عنها و يحاولون التستر عليها رغم أنها تسيطر على تفكيرهم و تصرفاتهم، و تحرمهم من أهم أسس الحياة البسيطة المتعلقة بالأمان و الاستقرار ... نعم كانت المشكلة طائفية و لكن ليس بالنسبة لي ... فأنا لا أنتمي إلى أي طائفة من الطوائف و لا أنتمي إلى أي دين من الأديان و هكذا كنت وما أزال ... و لكن مجتمعنا ً يقسم الناس رغماً عنهم إلى طوائف وخانات و مقامات ... أعتقد الآن إنني لا أحتاج إلى شرح الكثير من التفاصيل فقصة الطائفية معروفة جداً و ما أسوء الطائفية عندما يتعلق الموضوع بالزواج ..... ولكن المهم الآن هو ما الذي أستطيع أن افعله ... فخلال العشرة سنين لم أتردد في تقديم كل الدعم والحب و مع أني دخلت في خلاف كبير مع أهلي و عائلتي الذين يرفضون زواجي منها رفضاً قاطعاً و لكني لم أهتم لهم و مع أن كل من يعرفني قالوا لي "بدك تتجوز عاملة مقسم!!!" و مع أني أمضيت عشرة أعوام هي أهم عشرة أعوام من حياة الإنسان في حبها و دعمها و الوقوف إلى جانبها ... ورغم كل المنطق الذي أفكر به و كل المقدرات العقلية التي أتتمتع بها لكني لم أجد مخرجاً واحداً من هذا الموضوع والمشكلة دوماً أنني قادر على فعل ما أريد فأنا غير مهتم بالتقاليد و لا الطائفة و لا يوجد ما يمنعني من الاستمرار فيما أريد و لكن المشكلة كانت دوماً في عجزها هي عن اتخاذ أي خطوة مفيدة أو فعالة للخروج من هذه الحالة المأساوية التي نمر بها ... لقد فعلت المستحيل لإقناع أهلها وهو ما لم أفعله مع أهلي الذين وضعتهم تحت الأمر الواقع .. المأساة في الموضوع الآن أنني وبعد هذه السنين لا أستطيع أن أساعد هذه الفتاة التي تحبني ولكنها ترفض التخلي عن أهلها لأنها تحبهم هم أيضاً... وكلما أحاول الخروج من هذا الموضوع والابتعاد عنها تصبح كالمجنونة !!! ولا تتركني لكي أخرج من حياتها لأنها لا تستطيع الحياة بدوني ، خلال العشرة سنين رفضت كل من تقدم لخطبتها وأنا لم استطع إقامة أي علاقة مع أي فتاة أخرى ... ولقد قام أهلها بحرمانها من الخروج أو الذهاب إلى أحد حتى أقاربها أو صديقاتها ... هم يراقبونها ليل نهار و يحولون حياتها إلى جحيم لا يطاق و مع ذلك هي ترفض التخلي عنهم وتستمر في حبها لهم و خوفها على والدتها التي خضعت إلى عملية قلب وهي تخاف عليها كثيراً من هذه الضغوطات التي تعيشها و هي دوماً تقول أنها لن تسامح نفسها أبداً إذا ماتت أمها بسببها .... لا أعرف ماذا أقول أكثر من هذا أنا .... هي حالة دائمة من العجز الذي لا ينتهي .... أنا أعلم أن هذه القصة تتكرر كل يوم في هذا المجتمع المتخلف.. و لكنني أستغرب رغم كل التعليم والإمكانيات التي أمتلكها عدم مقدرتي للخروج من هذه الدوامة .....
صديقتي العزيزة... أعرف أن ما لديك من حديث حول الموضوع قد يكون مفيداً بالنسبة لي ( ليس لحل المشكلة التي لا حل لها ) و لكن ليعطيني الإحساس والأمل بأنه لم يزل هناك أناس في هذا المجتمع قادرين على التفاهم والتواصل مع الآخرين رغم كل التخلف والجهل والطائفية المقيمة فيه...... أرجو أن أسمع رأيك حول الموضوع ... صديقك المحب لكل الناس بدون تمييز ... خالد

3 comments:

Eve said...

الحب بين شخصين من طائفتين مختلفتين، لا بل متمسّكين بطائفتيهما أيضاً، لن يكتب له النّجاح غالباً،
إلا إن كان كلاهما مستعدّاً لتحدّي مصاعب طويلة والتّضحية بأشياء كثيرة.
وأنا صراحة لم أجد شخصاً يفعل ذلك بعد. في مطلق الأحوال، هذا أحد المواضيع التي لم أعد أؤمن بها، وأرى أنّ الإيمان بها مجرّد مضيعة للوقت، وتسبّباً بعذابٍ لا طائل منه.

ihath said...

أتعاطف مع المحنة التى مررت بها
وليس عندي شيئ مفيد أقوله سوى أن أتمني لك أن تجد طريق السعادة في هذه الحياة

IronMask said...

Ihath
Eve

لا يسعني إلا ان اقول أنني تعلمت الدرس
:)

و أنا الأن في احد اسعد ايام حياتي ، فانا اكثر تفهما للحياة وهذا لوحده يملئ روحي سعادة
:)