كانت الحكاية طويلة ومع ذلك كررها امامي عشرات المرات، شدني لتلك الحكاية عندما رواها لي في المرة الاولى، لكن مع الزمن أصبحت مجرد فكرة أنه سيعيد روايتها من جديد تشكل عبئا نفسياً لا حمل ولاطاقة لي عليه، كان يشعر بضيقي من تكراره لها، لكنه لم يستطع منع نفسه من إعادتها، ولكنه كان يحاول في كل مرة أن يضيف بعض العناصر الجديدة عليها محاولاً جهده ليثير عندي بعض الفضول الذي لم يعد يحصل عليه، كان مصراً على أن يروي لي التفاصيل في حين كانت خطوط القهوة بداخل الفنجان الفارغ أمامي تسيطر على تفكيري، أخذت أنظر إلى تلك الخطوط الملتوية كطريق جبلي علّني أرى مايراه الأشخاص الذي يزاولون التبصير بالفنجان، بدأ شعوري بحاجتي لمزيد من القهوة يجعلني في ضيق من الاستمرار لسماعه وهو يروي لي تلك التفاصيل برتابة اعتدت عليها، نظرت حولي باحثا عن أي أمل في العثور على مهرب من البقاء، كنت أود الاعتذار والأنسحاب حين طرقت أذني جملته الأخيرة، وأنهار في البكاء، "نعم، أنا حمار!!!" "أنا حمار وبأذنان طويلتان!!!" كان يردد هذه العبارات بينما تنهمر الدموع من عينيه سيلا جارفاً، لم أره يبكي من قبل، رغم كل المأساة التي كان يحاول زرعها في روايته لم يبكي من قبل، كان يحاول اظهار قوته في مواجهة كل تلك الاحداث التي ألمت به، ودائما يحمل الظروف أسباب مأساته، لا أدري ما الذي جعله ينهار تماماً في هذا اليوم، لم يكن هناك من شي مختلف اليوم، كل شي كان كالمعتاد، ركوة القهوة والفناجين الفارغة على الطاولة الخشبية أمامنا، لم تكن صورة مريم العذراء بورقها المصفر مختلفة عن ماكانت عليه فهي مثلما اذكرها من سنين على ذلك الجدار الخالي من اية صورة اخرى، الباب بلونه الالماسي المائل للرمادي بفعل الزمن، أخذت اعدد كل مافي الغرفة مقارناً مع ما أختزنه من صور في ذاكرتي لتلك الغرفة، كل شي كمان كان، إلا هو، كان في حالة انهيار كامل، يصرخ ويبكي، لأول مرة أشعر انه يقول القصة الحقيقة، لأول مرة ينهي القصة بالشكل الذي كنت اردده بيني وبين نفسي في كل مرة كنت اسمع روايته تلك، "نعم، أنت حمار!!" اهمس بتلك العبارة محاولاً أن لا يسمعني، أنظر إليه نظرة وداع سريعة وامضي خارجاً، أشعر براحة كبيرة لأنه وصل لتلك النهاية، كنت أعلم أنني لن أسمع تلك الحكاية ثانية، ربما سيكون هناك قصص أخرى، لكن ليس هذه
......
......
No comments:
Post a Comment