Sunday, February 25, 2007

في البدء كان القول، في البدء كان الصمت

لم أخف ابتسامتي وانا أراها تحاول جاهدة البقاء على هدوئها مع أن قدمها كانت ترفض الاستكانة ولم تتوقف عن الحركة جيئة وذهاباً كرقاص ساعة تسعى جاهدة لتوقف وقت لن يتوقف، حاولت طوال الوقت أن لا أنظر إليها بشكل مباشر لكي اخفف من حدة التوتر بداخلها وتبين لي بعدها بأني كنت أحاول أن أهدأ من توتري أنا، رغم أن قدمي كانت مستكينة ولا تظهر ذلك الانحباس للأنفاس الذي كنت أحاول تنظيمه من فترة لأخرى ولكن لحسن الحظ كنا في بيت ينطبق عليه المثل القائل: "اختر الأرض المناسبة لزرعك"، ففي ذلك البيت الذي جمعنا كانت الأجواء أكثر حميمة مما تخيلت، تشعر بحب من حولك، وسعيهم لجعلك سعيداً، هناك في ذلك البيت الذي لم أزره لأعوام وأعوام قد تكون تجاوزت الخمس والعشرين عاماً، لكني من أول لحظة دخلته شعرت بالأنتماء وكأنني جزء منه، لامراسم ولابروتوكلات، لدرجة أنني نسيت معها كل ماكان قيل لي عن الطريقة التي يجب أن أتصرف معها أو الكلمات التي يجب أن أقولها أو الكلمات التي يجب أن أتجنبها، لكن أكثر ما كان اضحكني هو نصيحة "لا تتكلم بالسياسة" نعم، لاتتكلم بالسياسة، هل يعقل أن يكون هناك نصيحة تشبه هذه النصيحة، ولشخص يشبهني، ياليتها كانت النصيحة تقول لي كيف يمكن للمرء أن يصف نفسه بأقل العبارات، فلم يكن لي أن أختزل حياتي بجملة من العبارات، كان لابد لي من الاستمرار بالحديث المتواصل، بعض القصص وبعض الذكريات، بعض التحليل، بعض الوصف، لا أدري كم تحدثت، لكن لابد من الاعتراف أنها كانت أذكى مني بكثير في هذه الناحية، فبضع عبارات قالتها كانت توصل ماتود قوله، كانت تستمع وتستمع، لم تقاطعني كثيراً بعكس مافعلت أنا، لربما شعرت بحاجتي لأقول أكثر مما قلت، ربما كنت احاول مساعدتها في فهم الحالة التي احاول أن أوضحها، لاأدري الأن لربما لو تكرر الموقف نفسه لتصرفت بنفس الطريقة، لكني في المرة القادمة لن اتردد في أن أطلب منها ان تسمح لي بمسك يدها، فقد سيطر علي شعور كبير بحاجتي لمسك يدها، أحسست انني أستطيع أن أقرأ هناك أكثر من كل الكلام الذي قيل بينما كنت أنظر إلى يديها أكثر مما أنظر لوجها، أراقب حركتهما، لدرجة لم أعد اكترث لحركة قدمها التي لم تتوقف ابداً عن الاهتزاز، مرة واحدة فقط نظرت إلى وجها وفي رأسي كانت تتردد كلمات تقول "وحدها المرأة الجميلة تقبل الظهور بدون ماكياج"، لفتت انتباهي بذلك الوجه الخالي من علامات التزويق والماكياجات، نعم، صريحة بكل شي، تقول ماتريد، تعلن قناعاتها بهدوء، تسأل بهدوء رغم كل التوتر، كل ذلك بدء يثير السؤال بداخلي "من هي هذه الفتاة؟؟" فجأة تحول هذا السؤال لهاجس أخدت أبحث له عن جواب ما، ما المميز فيها؟، كانت دهشتي تزداد شيئاً فشيئاً وكأنني في رحلة لا أستطيع أن أتوقع كيف تسير الامور بها، لم أعتد مثل هذا الشعور، وبدأت تزداد رغبتي بالأكتشاف، تتوالي الكلمات وتتوالي الافكار، حتى أقف هناك في نهاية المطاف، أقف عند لحظة أشعر برغبتي لأن أَضمها، أشعر بأنها تحتاج لضمة كبيرة، ماتلبث أن تتحول لشعور بحاجتي أنا لتلك الضمة، ماذا بعد ذلك!!! توقفت هي عن الكلام وكانها تحتاج لصمت طويل، كان يمكن لي أن أستمر بالحديث، لكن صمتها بدء يعلن أنها قد وصلت لمكان ما، كانت تقف هناك في النهاية وتفكر بصوت لم يكن مسموعاً لكن يسهل رؤيته على جسدها الملتصق بالكرسي وكأنها قد أنهت للتو سباق ماراثوني متعب،

No comments: