Sunday, August 07, 2005

الضّمير - لوتريامون

الضّمير
لوتريامون

.. من الموافق ألاّ أدعَ الضمير يقطع الطريق عليّ . فلو أنّه كان قد مثُل أمامي بالتواضع و الحياء الملازمين طبقته لكنتُ أصغيتُ إليه . ما كنتُ لأحبّ كبرياءه . مددت يدي ، وتحتَ أصابعي سحقتُ الأظافر ؛ تناثرتُ هباءً تحت الضغط المُتزايد ، ضغطُ هذا الهاون الجديد الطراز . مددتُ اليدَ الأخرى و اقتلعتُ رأسه . ثم طردته من منزلي ، بضربات السوط ، و ما عدتُ رأيتُ لهُ وجهاً . إحتفظتُ برأسهِ كتذكار لانتصاري .. أمسكتُ رأساً بيدي ، كنتُ أقضمُ جُمجمته ، و انتصبتُ على رجلٍ واحدةٍ ، كمالك الحزين ، فوق شفير الهاوية المحفورة بلحف الجبل . و رآني بعضهم أهبطُ الوادي بينما كان جلد صدري جامداً ، هادئاً كغطاء قبر ! و بينا كنتُ أمسكُ بيدي رأساً أقضمُ جُمجمته ، سبحتُ في أشدّ اللجج خطراً ، و حاذيتُ الهاديات المميتة ، و غطستُ الى أن غاب عن بصري النافذ . و كان المغصّ السميج ، بمغناطيسهِ الذي يجرّ الشلل ، يطوّفُ حول أعضائي فيشقّ الأمواج بحركاتٍ قويّة دون أن يجرؤ على الدنو منّي . ورآني بعضهم أعود سليماً معافىً الى الشاطئ ، بينما كان جلد صدري جامداً ، هادئاً كغطاء قبر ! و بينا كنتُ أمسكي بيدي رأساً أقضمُ جُمجمته ، اجتزتُ الدرجات الصاعدة ، درجات برج رفيع . وصلتُ ، تعب الرِّجلين ، الى قمّته المدوّخه . نظرتُ الى الحقل و البحر؛ نظرتُ الى السماء و الجَلَد . وإذ دفعتُ برجلي الصوان الذي لم يتراجع ، تحدّيتُ الموت و الثأر بصراخ هازئٍ عظيم ، و انطرحتُ كالبلاطة بشدق الفضاء . سمَعَ النّاسُ دويّاً أليماً هو دويّ الأرض إذ التطم بها رأسُ الضمير الذي كنتُ قد أفلته بهبوطي . ثم رآني النّاسُ أنزل بطيئاً كالطائر ، تحملني سحابةٌ لا تُرى ، فالتقطتُ الرّأس لأجبره أن يكون شاهداً على جريمةٍ مثلّثة كان عليّ أن أقترفها في ذلك النهارُ بالذات ، بينما كان جلد صدري جامداً ، هادئاً كغطاء قبر ! و بينا كنتُ أمسكُ بيدي رأساً أقضمُ جُمجمته ، اتجهتُ شطر المكان الذي تنتصبُ فيه ركائز المقصلة . و صعتُ نعومةَ أعناق فتياتٍ ثلاثٍ تحت شفرة المقصلة . و كأنني منفّذ الأعمال العظيمة ، أرخيتُ الشريط كأنّما ورائي خبرة حياةٍ كاملة . فهوى الحديدُ المثلّث ، بانحرافٍ ، و بترَ الرؤوس الثلاثة التي كانت تنظرُ إليّ بحنان . بعدها وضعتُ رأسي تحت الشفرةِ الثقيلة ، و أعدَّ الجلاّدُ إتمام عمله . ثلاثُ مرّاتٍ تهاوت الشفرة القاطعة بعزمٍ يتجدّد على الدوام . و ثلاثُ مرّاتٍ كان هيكلي المادي ، و بخاصّةٍ عند منطلق العُنُق ، يهتزّ حتى أسسه ، كما عندما نتصوّرُ في الحلم أن منزلاً ينهارُ فيسحقنا . تملّكت الشعبُ الدهشة فتركني أعبرُ لأبتعدَ عن الساحةِ المأتميّة . رآني أشقُّ بمرفقيّ لججه المُتماوجة ، و اتحرّك ، وملءَ بردتيَّ الحياة ، فأتقدّمُ أمام وجهي مستقيمَ الرّأس ، بينما كان جلد صدري جامداً ، هادئاً كغطاء قبر ! كنتُ قلتُ إنّني أريدُ أن أدافعَ عن الإنسان ، هذه المرّة . و لكنّي أخافُ ألاّ يكونَ دفاعي هذا تعبيراً عن الحقيقة . و عليه ، فأؤثرُ الصّمت . سوف تُصفّقُ البشريةُ بامتنان لمثل هذا القرار

No comments: