Sunday, August 07, 2005

لندن كانت مجرد حلم

في البداية أرجوكم لاتسألوني عن حقيقة ما جرى ، فكل ما سأرويه لكم هو مجرد قصة ، وهي مثل كل القصص بدأت في مكان ما وزمان ما ، و قصتي هذه بدأت عندما فاجئتني عاملة الأستقبال في الفندق بسؤالها " كيف وجدت لندن يا سيدي؟" ، وقد كانت المرة الأولى التي تفتح حديثا معي ، على رغم مرور خمسة أيام على تواجدي في ذلك الفندق، ولا أعرف لما أجبتها بسؤال أخر عن سؤالها : " جميلة ، نعم، لندن جميلة جداً، ولكن أتعلمين لم يسمونها مدينة الضباب ؟ فأنا لم أرى أي ضباب حتى الأن!! "
فأبتسمت لي( و لا أخفي عنكم كم أحببت في لندن هذه الأبتسامة التي يرسمونها على وجوههم مع حديثهم )
و قالت " لا تستغرب سترى الضباب بكل تأكيد!!"
و لكني كنت على عجلة من أمري و سارعت بطلب مفتاح غرفتي ، ولكنها عادت و أوقفتني ثانية،
- "
عفوا ياسيدي ! ولكني أردت سؤالك بخصوص الأغراض في غرفتك؟"
-
مابها الأغراض هل هناك أية مشكلة؟
- "
نعم ياسيدي، يبدو أن هناك رائحة كريهة تصدر عنها و أخشى .."
- "
رائحة كريهة؟؟؟؟ أه ، نعم، نعم"
أجبتها مصعوقا كيف نسيت ذلك ، يا الله، كان لابد أن أتصل بسمر وأرسل لها الأغراض منذ يوم قدومي!! لا بد أن الطعام قد فسد تماماً الأن!!، كيف يعقل أني نسيت، ما هذا الذي جرى لي،
لم أعرف بعدها كيف أنهيت حديثي معها ، و سارعت الى الغرفة ، بحثاً عن تلك الحقيبة التي لم يصعب أكتشافها بسبب رائحة العفونة التي كانت تنشرها !!
ما الذي أفعله الأن ؟ يا الله!! لقد علمت منذ البداية أن هذا سيحصل ، لقد أخبرت أمها أني لست مستعداً لأحمل هذا الطعام كل هذه المسافة الى لندن،كيف يفكرهؤلاء الناس؟ ، لولا خجلي منها لما حملت هذه الحقيبة ، ولما كنت وقعت في هذا المأزق الأن ، ما الذي سأقوله لسمر ، حتى أني لا أعرف مالذي يمكن أن تحتويه الحقيبة غير الطعام ولا أستطيع التصرف بها!!
لم يكن أمامي أي خيار أخر ، فبحثت عن عنوان سمر و أتصلت بها و أخبرتها بأني قادم إليها!!
كنت مترددا جدا ولم أعرف كيف أعبر عن اسفي، لعدم إيصال تلك الحقيبة في وقتها، "أه منك يالندن، أنت السبب" هذا ما كنت أردده طوال الطريق إليها ،
وقفت أمام بابها، و صوت ضربات قلبي أقوى من صوت أنفاسي المتسارعة، ترددت قبل أن أقرع الباب ولكن لم يكن هناك من خيار أخر الأن،
لم أكن أعرف سمر من قبل ، و حتى أمها كانت من أقرباء أحد أصدقائي، و لكن ما الفائدة من هذا الكلام الأن ، فما حصل قد حصل ، و هاهي سمر أمامي الأن ، أصافحها و لكن دون أن أجروء على النظر في عينيها ، ولم أعرف كيف أبدأ كلامي وكنت متردداً بين الحديث بالعربية أو الأنكليزية ،
و لكن صوتها الذي أنطلق مرحباً ، كسر ذلك الحاجز و أطلق لساني في الأعتذار لها ،قلت لها أعذريني فبسبب أشغالي في لندن ، نسيت نفسي و أنا أعتذر، وهاهي الحقيبة ، أعلم أن الأطعمة قد فسدت ولكني خشيت أن يكون هناك أشياء أخرى ذات قيمة بداخلها؟
و لكنها لم تأبه للحقيبة , نظرت إلي بأبتسامة عريضة و قالت: "والله أنا اللي لازم أعتذر منك ، ومابعرف ليش عذبتك أمي في حمل هذه الأغراض ، أتعتقد أنني أموت من الجوع هنا !!! ، أرجوك أدخل الأن تفضل، ولكن دع هذه الحقيبة في الخارج فلا شيء مهم بداخلها "

لا أخفي عليكم أي حمل ثقيل إنزاح عن كاهلي بعد أن سمعتها تنطق بتلك الكلمات ، وما أن تركت الحقيبة وأجتزت الباب الى الداخل حتى أثار أنتباهي شذى ذلك العطر الذي كان ينبعث من تلك السيدة اللطيفة، عندها فقط نظرت الى وجهها الذي كانت تملؤه أبتسامتها العريضة ولم يكن يبدو عليها أي إنزعاج من كل ما حصل، لو رأيتم أي هدوء كان يرتسم في ملامح وجهها الجميل !!! ،
بعدها سارت أمامي ودعتني كي أتبعها ، وأدخلتني إلى غرفة كبيرة ولكنها مليئة بالأشياء الجميلة والممتعة للنظر، وبعدما جلست إلى إحدى الأرائك التي كانت مريحة بدرجة تفوق ما توقعته من شكلها!! ، سألتني عما أحب أن أشرب، قلت لها: "أي شي ، لا يوجد عندي أي فرق" ، نعم لم يعد لدي أي فرق الأن،
لم أعرف ما حصل لي عندما رأيتها ، لقد تغيرت الأشياء بسرعة بيننا ، و نسيت حتى أمر تلك الحقيبة التي قادتني إليها،
لم أتتردد في النظرإليها وهي تعد الشاي الذي أختلطت رائحته برائحة عطرها التي تملئ أرجاء المكان، ناولتني كوب الشاي و جلست قبالتي وبدأت تسألني عن الشام وأهل الشام ،
كان صوتها الدافئ منسجم مع ملامح وجهها الذي كنت أنظر إليه دون أن أقدر على رفع عيني عنها، كانت تلاحظ نظراتي ولكنها أستمرت بالحديث عن ذكرياتها في الشام و كيف قررت الأنتقال الى لندن ، حكت لي كيف عارضتها أمها كثيرا , لكن ذلك لم يثنها عن تنفيذ قرارها ، وأستمرت بالحديث و لم أكن أحس بالوقت وهو يمضي مسرعا، أكثر من ساعتين و نحن نتكلم ،
ولكن عيوني التي كانت تتابعها لم تتوقف عن ألتهام حركاتها و كأنها كاميرا تصوير وكان عقلي يحاول تخزين أكبر كمية من الإنطباعات التي أثارتها في داخلي !!

لم أكن سعيداً بمغادرتي تلك الليلة و لكن أصرارها على دعوتي على العشاء في اليوم التالي ، جعلني أعود إلى الفندق محلقا بفرحتي ، وأنا أحمل بداخلي ذكريات و كأن عمرها سنين طويلة وليس مجرد ساعات قليلة !!!
لم أنم تلك اللية ، وأمضيت الليل وأنا أسترجع كل ما خزنته في عقلي من عباراتها و حركاتها، كانت أبتسامتها ماثلة أمامي طوال الوقت حتى طلع ذلك النهار الذي كان أطول نهار لي في لندن لقد بدا وكأنه لن ينتهي،
لقد كنت أنتظر لقائنا بفارغ الصبر ، ذلك اللقاء الذي ضحكت فيه كثيرا من فرط سعادتي بلقائها ومنذ لحظة عرفت أنها أعدت على العشاء أطيب الأكلات الشامية وكأننا في وسط الشام , وأنا أنطلق بالضحكة وراء الأخرى ، لم يوقف ضحكاتي سوى حديثها الذي أستمر لساعات طوال في ذلك المساء ، كنت جالساً أستمع إليها وهي تروي لي عن أشياء وأشياء لقد كان لديها أحاديث لا يكفيها شهور لتنتهي، كانت تتكلم و تتكلم ، لم تكن تتنظرجواباً ، لقد كانت سعيدة بوجود من يسمعها ، ولم ينتهي حديثنا إلا و نحن نجوب شوارع لندن ولو تدرون أي شعورأصابني و أنا أسير ممسكاً بيدها ، في ذلك اليوم لم تلفت نظري كل جميلات لندن ، كنت أرى وجه صديقتي سمر في كل مكان،

لكم أحببت لندن فأي سر في تلك المدينة التي جعلتني ألتقي بإبنة الشام فيها !!!

لا أرغب أن أقص عليكم المزيد ، و لا تصرو على معرفة بقية الأحداث ، لأني عندها سأعترف لكم أن لندن كانت مجرد حلم و سمر أيضا كانت حلم أخر بداخل ذلك الحلم.

No comments: