Sunday, August 07, 2005

عشرون قصيدة حبّ وأغنية يأس واحدة

"عشرون قصيدة حبّ وأغنية يأس واحدة"، بترجمة [الشاعر الأمريكي] و. س. مروين:

الليلة أستطيع كتابة الأبيات الأشدّ حزناً.
أكتب، مثلاً، "الليل طافح بالنجوم
والنجوم زرقاء ترتعش في المسافة".
ريح الليل تلتفّ في السماء وتغنّي.
الليلة أستطيع كتابة الأبيات الأشدّ حزناً.
أحببتها، وهي أيضاً أحبّتني أحياناً.
وخلل ليالٍ كهذه احتضنتها بين ذراعيّ.
قبّلتها مرّة بعد مرّة، تحت سماء بلا نهاية.
أحبّتني، وأنا أيضاً أحببتها أحياناً.
كيف يستطيع المرء أن لا يعشق عينيها الساكنتين العظيمتين.
الليلة أستطيع كتابة الأبيات الأشدّ حزناً.
أن أفكّر أنها ليست معي.
أن أحسّ أنني أضعتها.
أن أصغي إلي الليل الهائل، الهائل أكثر في غيابها.
والشعر يسّاقط علي الروح مثل الندي علي المرعي.
ما هَمّ أنّ حبّي لم يتمكن من استمهالها.
الليل طافح بالنجوم وهي ليست معي.
هذا كلّ شيء. في المسافة ثمة مَن يغنّي. في المسافة.
روحي ليست ترضي بفقدانها.
بصري يسعي للعثور عليها، كأنما لتقريبها.
قلبي يفتش عنها، وهي ليست معي.
الليلة ذاتها تبيّض الأشجار ذاتها.
ونحن، أبناء ذلك الزمن، لم نعد كما كنّا.
لم أعد أحبّها، هذا مؤكد، ولكن كيف أحببتها.
صوتي حاول العثور علي الريح من أجل مسّ أسماعها.
لسواي. ستكون لسواي. كما كانت قبل قبلاتي.
صوتها. جسدها المضيء. عيناها اللانهائيتان.
لم أعد أحبّها، هذا مؤكد، ولكن لعلّي أحبّها.
الحبّ قصير الأمد كثيراً، والنسيان طويل طويل.
ذلك لأنه في ليالٍ كهذه ضممتها بين ذراعيّ
وروحي ليست ترضي بفقدانها.
رغم أنّ هذا الألم قد يكون آخر ما تُنزِله بي من عذاب
وهذه الأبيات آخر ما أكتبه لها من شعر.

-=-=-=-=-=-=-=-=-=

تجوال

يحدث هكذا أن أتعب من كوني إنساناً.
يحدث هكذا ، قاصداً محالّ الخيّاطين وصالات السينما،
ذاوياً، كتيماً، مثل بجعة من اللبّاد
تمخر عباب مياه البدء والرماد.
رائحة صالونات الحلاقة تجعلني أنتحب بصوت عالٍ.
كلّ ما أريد هو الراحة من الصخور أو الصوف،
كلّ ما أريد هو أن لا أري مؤسسات أو حدائق
بضائع أو نظّارات واقية أو مصاعد.
يحدث هكذا أن أتعب من قدميّ ومن أظافري
ومن شعري وظلّي.
يحدث هكذا أن أتعب من كوني إنساناً.
ولكن سوف يكون أمراً لذيذاً
أن أُفْزِع كاتباً بالعدل بليلكة مقطوفة
أو أن أُعدم راهبة بصندوق علي الأذن.
سيكون بديعاً
أن أذرع الشوارع حاملاً سكيناً خضراء،
مطلقاً الصيحات حتي أموت برداً.
لا أرغب في مواصلة البقاء جذراً في الظلام،
متذبذباً، ناتئاً، مرتعشاً في النوم،
إلي أسفل، في أحشاء الأرض البليلة،
ماصّاً ومفكّراً، آكِلاً كلّ يوم.
لا أريد الكثير من البلوي،
لا أريد مواصلة البقاء جذراً وقبراً،
البقاء وحيداً تحت الأرض، البقاء مدفناً لرجل ميّت،
مخدّراً بالبرد، محتضراً من الكرب.
لهذا فإنّ نهار الإثنين يتلظي مثل النفط
حين يبصرني قادماً بوجهيَ أليف السجون،
فيعوي مثل حوت جريح حين يعبر،
قاطعاً خطوات حارّة الدم صوب الليل.
أنحشر في بضع زوايا، بضع بيوت رطبة،
في مستشفيات تطير فيها العظام من النوافذ،
في بعض محالّ بيع الأحذية حيث تعبق رائحة خلّ نتنة،
وفي شوارع مفزعة كما الشقوق.
ثمة طيور بلون الكبريت والأمعاء الرهيبة
تتدلي من أبواب البيوت التي أكره،
ثمة طاقم أسنان منسيّ في غلاية قهوة،
ثمة مرايا
لا بدّ أنها انتحبت عاراً وخوفاً،
ثمة مظلات هنا وهناك، وسموم، وسُرَر.
أسير رابط الجأش، بعينيّ، مرتدياً حذائي،
بالسخط، وبالنسيان،
أمرّ، أعبر المكاتب ومحالّ أحذية التجبير
والفناء المرصوف حيث الغسيل منشور علي الأسلاك:
ثياب داخلية، مناشف، وقمصان تذرف
دموعاً بطيئة متسخة.

-=-=-=-=-=-=-=-=-=



عن موقع القدس احتفاءً بالذكري المئوية لولادة بابلو نيرودا.

No comments: